ما الفرق بين «سوق الأحد» وسوق الدواء في لبنان؟ الجواب: لا شيء سوى أن الثاني مفتوح على مدار الأسبوع! ولأن موسم الأنفلونزا بجميع فئاتها «واعد» هذا العام، يغرق السوق اللبناني بجميع أنواع الأدوية واللقاحات والفحوصات المتعلقة بهذا الفيروس. آخر ما وصل إلى سوق الصيدليات في هذا المجال؟ فحص الأنفلونزا السريع. وهو فحص يباع برغم عدم فعاليته وتحذير نقابة الأطباء من وصفه للمريض
بسام القنطار
انتشرت في الصيدليات اللبنانية، عبوات ما يسمى بالفحص السريع للأنفلونزا من نوع «آي»،(Test). وفيما وضعت بعض تلك الصيدليات توضيحات بأن هذه الفحوص السريعة لا تشمل أنفلونزا «آي أش1أن1»، ذهبت أخرى إلى حد تضليل المواطنين عبر دعوتهم إلى إجراء الفحص الذي يثبت ما إذا كان المريض مصاباً أم لا بأنفلونزا الخنازير.
يستخدم في عملية الفحص السريع، أنبوب شبيه بالأنبوب المستخدم لإجراء فحص الحمل، حيث تؤخذ العينة من سائل الأنف، لتظهر نتيجة الفحص في غضون أربع إلى خمس دقائق.
لقد نبهت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق، من خطورة الاستخدام التجاري للفحص السريع للأنفلونزا، مشيرة إلى أن الأطباء لا يمكنهم الاستناد إلى نتائج هذه الفحوص لمعرفة ما إذا كان المريض مصاباً فعلاً بفيروس «آي أش1أن1».
لا بل إن وزير الصحة الدكتور محمد خليفة قد أكد لـ«الأخبار» في حديث سابق أن فعالية هذا الفحص لا تتجاوز 40% في كل أنواع النتائج، ويجب حصر استعماله بالمستشفيات أثناء الكشف الأولي على المريض، ولكن لا يمكن أن يعتد به للتأكد من إصابته بأنفلونزا «آي أش 1 أن 1». ويصنف فحص «بي سي آر» (BCR) الذي يجرى حصرياً في بيروت عن طريق المختبر المركزي في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، بأنه الوحيد القادر على إعطاء النتيجة الطبية النهائية للتأكد من وجود الفيروس في جسم المريض، ويحتاج هذا الفحص إلى 3 أيام تجري خلالها قراءة جينية معقدة من أطباء اختصاصيين للتأكد من التركيبة الجينية للفيروس الذي بات أكثر شهرة من سابقيه، ويتوقع أن يصيب ما لا يقل عن ثلث اللبنانيين خلال موسم الشتاء المقبل. في آب الماضي، أجرى باحثون في المركز الأميركي لمكافحة الأمراض واتقائها «سي دي سي» دراسة على ثلاثة أنواع من الفحص السريع الذي يباع في السوق الأميركي، ويحدد ما إذا كانت الأنفلونزا من فئة «أ» أو «ب». وبعد دراسة فعالية هذا الفحص على 65 مريضاً، تبين أنه نجح في تحديد أنفلونزا «آي» في حالات المرضى الذين يعانون التهاباً رئوياً حاداً، أما المرضى الذي يعانون التهاباً في أعضاء أخرى من الجسم فلم ينجح الفحص في تحديدها. وبحسب المركز، فإن كل ما يساعد فيه هذا الفحص، هو تحديد فئة الفيروس إن كان «آي» أو «ب»، فإن كان من الأول، يمكن الارتكاز عليه لإجراء المزيد من الفحوص، لا سيما فحص الـ«بي سي آر».
ويؤكد رئيس اللجنة العلمية في نقابة الأطباء، الدكتور برنار جرباقة، أن النقابة رفضت الاعتراف بفعالية هذا الفحص، وبعد التشاور مع وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، طلبت من جميع الأطباء عدم اعتماده لأنه لا يقدم معطيات طبية يمكن الاعتداد بها، لا بل إنها أرسلت رسائل «إس أم إس» للأطباء تفيد بذلك.
ولفت جرباقة إلى ضرورة متابعة التطورات العالمية في موضوع وباء أنفلونزا «أي أش 1 أن 1»، لأنه كل يوم يحصل تطور جديد، إن لجهة فعالية اللقاحات وتأثيراتها أو لجهة الأدوية المستخدمة، وكذلك طبيعة انتشار المرض.

نقابة الأطباء رفضت الاعتراف بفعالية هذا الفحص

وأشار جرباقة إلى أن نقابة الأطباء لا يمكنها أن تتحكم بعملية بيع هذا الفحص للجمهور من الصيدليات، لكن من واجبها التحذير دوماً من أن هذا الأمر غير مجد، وإنه في حال اكتشاف عوارض الأنفلونزا ودخول المريض إلى المستشفى ينبغي إجراء فحص «بي سي آر» في الحالات التي حُدّدت مسبقاً، وتشمل الحوامل والمرضى الذين يعانون نقص المناعة أو اشتراكات مرضية والأطفال. ولفت جرباقة إلى أن هذه الفحوصات السريعة ليست جديدة، وهي موجودة في السوق منذ ما يزيد عن عقدين، لكنها بالتأكيد تشهد نمواً في المبيعات هذا العام نتيجة الذعر من انتشار أنفلونزا «أي أش 1 أن 1».
وتشير مقالة في «نيويورك تايمز» إلى أن مبيعات الفحوص السريعة للأنفلونزا ارتفعت بنسبة 70% على المستوى العالمي، حيث كانت المكسيك السباقة في شراء أكبر كمية منها مع انتشار الأول للوباء في نيسان الماضي. ومن أشهر الشركات التي تنتج هذه الفحوصات شركة «كويدل» Quidel لكونها تخصصت في إنتاج هذه الفحوصات.
وفي جولة لـ«الأخبار» على عدد من الصيدليات في بيروت، تبين أن عدداً كبيراً منها تبيع هذه الفحوصات للجمهور، وفيما يصر بعض الصيادلة على إجراء الفحص في الصيدلية للتأكد من النتيجة، يكتفي البعض الآخر ببيع المنتج مع ورقة إرشادات بشأن كيفية سحب السائل من الأنف ووضعه داخل أنبوب يحوي مواد فاحصة، ومن ثم سكبه على لفافة الفحص لتظهر النتيجة خلال 10 دقائق.
ولقد صرح أحد الصيادلة الذي تمنى عدم الكشف عن اسمه، أن الجمهور اللبناني يقبل على هذا الفحص (كلفته 20 ألف ليرة لبنانية) بناءً على استشارة طبية. ما يشير إلى أن العديد من الأطباء لم يتقيدوا بتعميم النقابة. ويضيف الصيدلي «لكن هذا الفحص لا يحتاج أصلاً إلى استشارة طبية، ونحن لنا الحق ببيعه للجمهور، وفي بعض الحالات وصلت نسبة الفعالية إلى 90 %». ويختم: «الناس لا تستطيع الانتظار أياماً لتظهر نتائج الفحص المخبري المعقدة والمكلفة، وهي بحاجة إلى معلومات أولية تمكنها من متابعة المعالجة بأقل كلفة، وخصوصاً الحوامل اللواتي زادت نسبة طلبهن للفحص بعد الإعلان عن وفاة سيدة حامل في منطقة البقاع نتيجة إصابتها بالفيروس». لكن الصيدلي لا يقول إن الفحص قد يعطي نتيجة بعدم الإصابة تطمئن المريض، لفترة تسمح بتمكن الفيروس منه.
وفيما تعذر معرفة رأي نقيب الصيادلة د. صالح دبيبو لوجوده خارج لبنان، يبقى المواطن ضحية الذعر العام وأسير لعبة خداع تمارسها الصيدليات بتواطؤ العديد من الأطباء.