أمس، عاش أهالي طرابلس يوماً من الإشكالات الأمنية. فقد حصل صدام بين عناصر من «حركة التوحيد» وشبّان من آل حسون. كانت الاشتباكات تهدأ قليلاً، ثم تعود لتشتعل. أما الجيش، فقد حضر بقوة مؤلّلة، وعمل على ضبط الوضع
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
عادت لغة السلاح مجدّداً إلى طرابلس. هذه المرة في منطقة أبي سمراء. اللافت في هذه العودة غير الميمونة عند الأهالي، أنها الأولى بعد تأليف الحكومة، وبعد فترة غير قصيرة على الهدوء بين باب التبّانة وجبل محسن. المشهد ذاته تكرّر أمس، مسلّحون، وتوتر لا يكاد ينتهي حتى يبدأ من جديد. هكذا، عاشت منطقة أبي سمراء في طرابلس، أمس، أجواء توتر أمني، خلّفها الصدامان اللذان وقعا بين عناصر من حركة التوحيد الإسلامي وآخرين من آل حسون. فقد أعاد الصدام الجديد إلى الأذهان، صورة إشكالات سابقة، وقعت بين الطرفين العام الماضي، وأدت إلى سقوط ضحايا، آخرهم القتيلان، اللذان وقعا في الصدام السابق، أحدهما من عناصر الحركة، والثاني من آل حسون، وأربعة جرحى من الطرفين، بينهم المحامي أسامة شعبان، شقيق الأمين العام لحركة التوحيد الشيخ بلال شعبان. حضرت هذه الأجواء بقوة الرصاص، ما جعل المخاوف تتزايد من أن يؤدي ارتفاع منسوب التوتر بين الطرفين المتجاورين في منطقة واحدة، إلى استفحال الصدام أكثر، وتالياً، وقوع ضحايا جدد.
وقد حصل الصدام قرابة الواحدة من بعد منتصف ليل أول من أمس، وتضاربت الروايات والمعلومات بشأن أسبابه. فقد ذكرت مصادر الحركة أن «أفراداً من آل حسون، من بينهم واصف حسون، جندي المارينز، الذي فرّ قبل سنوات من الجيش الأميركي الموجود في العراق بعد احتلاله، استفزّوا عناصر موجودين أمام مقر الأمانة العامة للحركة، أعقبه تلاسن وإطلاق نار قبل أن يتدخل الجيش لضبط الأمور وإعادة الهدوء».
تبادلً كثيفً لإطلاق النار، هو الأعنف الذي تشهده طرابلس منذ المصالحة في أيلول عام 2008
في المقابل، تشير مصادر آل حسون إلى أن عنصراً من التوحيد «عمد إلى «التشفيط» بسيارته في شارع حسون في المنطقة، ثم أطلق النار في الهواء، ما استدعى ردّ فعل شبان من العائلة، فأغلقوا الشارع مستعملين السيارات حتى لا يؤدّي استفزازه إلى جرّ الشبان نحو مشكلة، وخصوصاً بعد حضور قوة من الجيش إلى المكان وضبطها الأمور».
إلّا أن شهوداً عياناً أشاروا لـ«الأخبار» إلى أن إطلاق النار حصل قرابة الساعة الواحدة والنصف من ليل أول من أمس، من دون معرفة مصدره، أعقبه تبادل إطلاق نيران من أسلحة رشاشة، دام نحو ربع ساعة، مترافقاً مع انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة، وانتشار مسلح ظاهر من الطرفين، كلّ في أماكن وجوده. جاء ذلك، بعدما حضر عناصر مسلحون لمؤازرة الطرفين، قوامهم مسلحون مزوّدون ببنادق حربية، اتخذوا متاريس لهم في أطراف الشوارع والأبنية، وقد سُمع أحدهم يقول عبر الهاتف: «عم يقوصو علينا فهل نسكت؟».
لكن تدخّل قوة مؤللة من الجيش، أعاد الهدوء إلى المنطقة قرابة الساعة الثانية فجراً، بعدما انتشر جنود الجيش في منطقة الإشكال، وأقاموا حواجز ثابتة، وسيّروا دوريات، فضلاً عن مداهمات أوقفوا على أثرها بعض المشتبه بهم، واقتادوهم للتحقيق.
ومع أن الهدوء عاد صباحاً إلى المنطقة، بحذر، وفتحت المحال التجارية والمدارس أبوابها، فإن الوضع الأمني تدهور مرة أخرى قبل الظهر. إذ ألقى مجهولان اثنان، كانا داخل سيارة من طراز KIA قنبلة يدوية أمام مقر الأمانة للعامة لحركة التوحيد. وأدى ذلك إلى سقوط أربعة جرحى هم: أديب أيوب، الذي أصيب في قدمه، ونُقل إلى المستشفى الإسلامي للمعالجة، بينما نقل الثلاثة الآخرون إلى مستوصف القبّة الإسلامي التابع للحركة، وهم محمد حبوس (أصيب في خاصرته)، وخالد صيداوي ورشيد شاكر (أصيبا في يديهما). أما على صعيد الأضرار المادية، فتضررت سيارة المحامي أسامة شعبان، وهي من طراز مرسيدس.
إثر إلقاء القنبلة، عادت أجواء التوتر، وشهدت المنطقة تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار، هو الأعنف الذي تشهده طرابلس منذ توقيع المصالحة الطرابلسية في أيلول عام 2008. واستخدم المشتبكون قذائف رشّاشة وصاروخية، ما أثار الهلع في أوساط الأهالي، الذين أخلوا الشوارع، كما اضطرت المدارس الرسمية والخاصة المنتشرة في المنطقة إلى إنزال التلامذة إلى الطبقات الأرضية باعتبارها أكثر أماناً، بعدما تعرّضت مدرسة التربية الحديثة، القريبة من مكان الإشكال لطلقات نارية كسرت زجاج بعض نوافذها. كما سُمع صوت الصراخ والبكاء من التلامذة، في موازاة هرع ذويهم إلى المنطقة لإعادتهم إلى البيوت، بعد اتصالات مكثّفة انهالت على إدارات المدارس للاطمئنان إلى التلامذة. توقف إطلاق النار بعد أكثر من نصف ساعة. حينها، عزّز الجيش انتشاره في المنطقة، وأجرت جهات سياسية وأمنية اتصالات مكثّفة مع الطرفين، فعاد الهدوء إلى المنطقة. وأثناء اجتماع الأمين العام لحركة التوحيد بلال شعبان مع ضباط أمنيين لاحتواء المشكلة، جرت محاولات لتوتير الأجواء ثانيةً. إذ تعرّض عمود الإرسال التابع لإذاعة التوحيد، المثبّت على سطح مبنى الأمانة العامة للحركة، لإطلاق نار قرابة الثانية ظهراً.


الرأفة بطرابلس

في ردود الفعل على الصدام، دعا مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار إلى «الرأفة بطرابلس، والكفّ عن افتعال الأزمات الأمنية كلما استعادت عافيتها، وبدأت مسيرتها نحو الاستقرار والاطمئنان والانتعاش الاقتصادي». أما الرئيس نجيب ميقاتي، فقد دعا الأجهزة الأمنية إلى «تكثيف إجراءاتها الأمنية لضبط الإشكالات التي تحصل من حين الى آخر، وآخرها في طرابلس ظهر اليوم (أمس)، من أجل إشاعة أجواء الهدوء والاستقرار، ولا سيما أننا في موسم أعياد يؤمل أن يسهم في تحريك الدورة الاقتصادية والتجارية». وناشد ميقاتي جميع الأطراف في طرابلس «تغليب الحكمة، وتجنّب الاستفزازات والتصعيد، الذي يترك انعكاسات سلبية مباشرة على طرابلس وأبنائها».


سوابق

قبل هذا الصدام، شهدت أحياء في طرابلس، وخصوصاً باب التبّانة وجبل محسن مواجهات بأنواع مختلفة من الأسلحة.
ففي 8 تشرين الأول الماضي، بدأ مسلسل إطلاق قذائف «الإنيرغا»، واستمر خمسة أيام.
في تلك الفترة، استهدفت القذيفة الأولى مقهى، وأدّت إلى وقوع عشرة جرحى، تلتها قنبلة يدوية ألقاها مجهولون في محيط جامع الناصري في محلة باب التبانة، لتليها قذيفة «إنيرغا» ثانية سقطت في حارة السيدة، بالقرب من طلعة العمري الفاصلة بين جبل محسن وباب التبانة.
أما في 8 أيلول الماضي، فقد أدّت مشادّة بين سائق سيارة وآخر يقود دراجة في القبة ـــــ طرابلس، إلى مقتل شخصين، بعدما تطور الإشكال سريعاً.