عمر نشابةإن المساهمة المالية لخزينة الجمهورية اللبنانية في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين تبلغ 49 في المئة من كلفتها، بحسب ما جاء في نص الاتفاقية الدولية بين لبنان والأمم المتحدة، التي لم يوافق عليها مجلس النواب، بل فرضت بموجب قرار مجلس الأمن 1757.
مرّ نحو عام على صدور التقرير الرابع للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مجلس الأمن (24 شباط 2009) عن تطبيق القرار 1757، الذي ذكر فيه أن «موازنة المحكمة الخاصة بلغت 51 مليوناً وأربعمئة ألف دولار أميركي للعام الأوّل».
هذا الرقم قريب جداً من موازنة وزارة العدل اللبنانية بأسرها. فبحسب مشروع الموازنة العامة (2009)، يبلغ مجموع تكاليف وزارة العدل، بما فيها جميع المحاكم المدنية والجنائية التي تتعامل مع آلاف القضايا العدلية سنوياً، 83 ملياراً و78 مليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل 55 مليوناً وأربعمئة ألف دولار أميركي.
مشروع الموازنة نفسه يرصد 108 مليارات ليرة لبنانية (ما يعادل 72 مليون دولار) مساهمة لبنان في المحكمة الدولية لعامي 2009 و2010.
تأتي هذه المساهمة وفقاً للبيان الوزاري للحكومة الحالية، الذي أشار إلى «التزامها بالتعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان، التي قامت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1757، لتبيان الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وغيرها من جرائم الاغتيال، وإحقاق العدالة وردع المجرمين». لكن ألا يهمّ مجلس الوزراء أو مجلس النواب الذي منحه الثقة، معرفة كيف تصرف أموال خزينة الدولة؟ ألا يهمهم معرفة حجم الرواتب وكلفة النقليات والجولات التي تجريها وفود المحكمة إلى لبنان؟ ألا يفترض البحث في الفارق بين راتب قاض لبناني في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وراتب قاض لبناني في المجلس العدلي أو رئيس المجلس العدلي، وما قد تكون الجوانب السلبية لذلك؟
لا يتضمّن تقرير بان إجابات عن تلك الأسئلة، كما أن تقرير القاضي أنطونيو كاسيزي الذي يعرض فيه «إنجازات» المحكمة الدولية بعد ستة أشهر على انطلاقها (صدر في 29 أيلول 2009) لا يتطرق إلى الكلفة على الإطلاق.
إذا كانت الشفافية الإدارية غائبة عن مؤسسات الدولة اللبنانية، فهل يفترض أن تغيب أيضاً عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؟ أم أن المحكمة الدولية تخشى عبر نشرها تقريراً مفصّلاً عن توزيع مجموع كلفتها أن يفاجأ القضاة اللبنانيون الذين لم يخترهم مجلس القضاء الأعلى ليركبوا قطار آلية العدالة الدولية؟
وماذا عن الناس؟ ماذا عن العمال والفلاحين والموظفين وأساتذة المدارس والعاطلين من العمل الذين يسدّدون الضرائب المباشرة وغير المباشرة، التي تبدو ضئيلة للأثرياء وباهظة بمقياس الحدّ الأدنى للأجور؟ هؤلاء قد لا يسألون كاسيزي عن كيفية صرف المحكمة التي يترأسها لأموالهم، فلم يستيقظوا بعد من الدوار الذي يصابون به كلما أذيعت فضيحة فساد ونهب واحتيال في الإدارات الرسمية... لكن عندما سيلجأون إلى قصر العدل لحلّ نزاعاتهم واستعادة حقوقهم، فليعلموا أن المال الذي كان يمكن أن يصرف لتسهيل معاملاتهم وإصلاح القاعات والمكاتب ورفع رواتب القضاة والموظفين ليعملوا بطريقة جيدة، يُصرف على محكمة دولية خاصة بقضية واحدة وعاجزة عن اتهام أحد أو توقيف أحد أو إحراز أي تقدّم في مسار العدالة، وذلك بعد مرور خمس سنوات من التحقيقات الدولية والمحلية بكلفة ملايين الدولارات.