إذا لم تستطع الدولة حتى اليوم تنظيم قطاع النقل المدرسي في المدن الرئيسية ومراقبته، فكيف لها أن تضبط «فانات» البقاع، التي تفتقر إلى أبسط مقومات السلامة العامة؟ الواقع المعيشي والاقتصادي يقف حائلاً دون توفير المعايير لدى أصحاب وسائل النقل. هؤلاء يرفضون تعميم وزارة التربية بشأن التقيد بمراقب ينافسهم على لقمة العيش. أما إدارات المدارس فتكتفي بالدور الإرشادي

البقاع ــ رامح حمية
«ما في حدا غير النبي أيلا عم يشفع لهالتلاميذ اللي بروحوا معي عالمدرسة». هكذا، يختصر عبد السلام حمية واقع «أوتوكاره»، المخصص للنقل المدرسي. تعليق الرجل ليس من باب التندّر، بل يعكس حال «الفان» الذي ينقل به أكثر من 28 تلميذاً وأستاذاً، من بلدته طاريا إلى مدارس ومهنيات في بعلبك.
حمية، المجاز في التاريخ، الذي لم يوفق حتى اليوم بوظيفة «تستره»، لم يجد مفراً من استعمال «فان بيشبه كل شي إلا أوتوكار نقل تلاميذ المدارس!». يضحك لدى سؤاله عن النواقص التي يفتقر إليها أوتوكاره، ويقول: «كل شي، دولاب سبير (بديل) ما في، الحالة الميكانيكية ما تشد إيدك، والمقاعد فيها من النتوءات المعدنية ما يكفي، فضلاً عن دخول التلامذة وخروجهم من الباب الخلفي لأنو الجانبي بيوقع إذا انفتح!».
واللافت أنه يمكن تعميم مثل هذه المواصفات على معظم وسائل نقل الطلاب في البقاع، التي تفتقر إلى عناصر السلامة والأمان، ما يفتح الباب على حوادث سير حافلات نقل الطلاب وسقوط التلامذة منها. ومشكلة النقل المدرسي هي من المشاكل المزمنة التي لم تعالج حتى اليوم، وذلك على الرغم من اتخاذها طابعاً خطيراً مع غياب الضوابط والمعايير، وحتى الرقابة الفاعلة، التي من شأنها الحد من بعض الحوادث.
بدورها، أصدرت وزارة التربية والتعليم العالي، في 30 تشرين الثاني الماضي، تعميماً يحمل الرقم 41، دعت فيه مسؤولي المدارس الرسمية والخاصة إلى تعيين مراقب في وسائل النقل المدرسي، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية للمخالفين والمقصرين.
لكن تنفيذ هذا التعميم بدا صعب المنال بالنسبة إلى المديرين، لكونه «يناسب مدارس معينة وفي مناطق لبنانية محددة دون غيرها»، كما يقول مدير متوسطة رسمية في البقاع رفض ذكر اسمه. يسأل: «هل تعلم وزارة التربية ماذا يحدث في قطاع نقل التلامذة في المدارس الرسمية والخاصة في البقاع، قبل أن تطالبنا بتنفيذ التعميم المتعلق بالمراقب؟». هنا، يلفت المدير إلى العدد الزائد للتلامذة في الباص، تُضاف إليه الحالة الميكانيكية السيئة وغياب عناصر التأمين في حال حصول حوادث، مشيراً إلى أن الأمر لا يحتاج إلى مراقب فحسب، بل إلى قانون ينظم هذا القطاع ويحدد المسؤوليات، كما يلجم «الفلتان الحاصل والاستهتار من جانب الأهالي وأصحاب وسائل النقل». وعن دوره بوصفه مسؤولاً، يؤكد أنه يقتصر على توجيه كتب خطّية «نطلب فيها اختيار وسائل نقل تتوافر فيها معايير السلامة والصحة».
أما في مدرسة راهبات السالزيان ـــــ دون بوسكو في حدث بعلبك، التي يقصدها كل يوم نحو 40 أوتوكاراً من سائر قرى غرب بعلبك، وصولاً إلى دير الأحمر شمالاً، فهناك ثلاثة منها فقط تتمتع بمواصفات جيدة، بحسب لينا أبو نعوم، مديرة المدرسة. ورأت أن المشكلة لا تقتصر على دور المراقب، بل على وسيلة النقل ذاتها التي تفتقر إلى كل مقومات السلامة والصحة للتلامذة، مضيفة أن المشكلة «عمرها بات من عمر المدرسة»، وأن المحاولات مع الأهل أو أصحاب وسائل نقل التلامذة باءت جميعها بالفشل، وذلك بالنظر إلى الوضع المعيشي الصعب الذي يتحكم بالمنطقة بأسرها، فضلاً عن «قلة الوعي» للمخاطر المحدقة بكل «أوتوكار» ينقل تلامذة وأطفالاً.
وعن الحلول التي بدأت باتخاذها مدرسة دون بوسكو لمعالجة هذه المشكلة، توضح أن ثمة سعياً لتأليف لجان تهتم بتوجيه أصحاب وسائل النقل وتوعيتهم، لتحسينها وتوفير متطلبات السلامة. وستعقد اجتماعات مع الأهل لحثهم على التعاطي بمسؤولية مع المشكلة.
مقابل ذلك، ثمة مواطن أنهكته المعيشة بمتطلباتها، فتراه يبحث عن مهنة قد تمثل للبعض «البحصة التي تسند الخابية»، مع قليل من الحذر و«الاتكال على الله». على هذا الرأي يجمع أصحاب وسائل النقل المدرسي، مشددين على أن غريمهم الأساسي هو الدولة التي تطالبهم بمراقب يشاركهم أيضاً في «الغلة التي يتأرجح تسديدها من الأهالي حتى الصيف»، كما يقول حسين حيدر (مزارع تبغ وصاحب أوتوكار).

المسؤولية مشتركة بين وزارتي التربية والداخلية والبلديات
ويرى حيدر أن «للضرورة أحكاماً»، فهو لجأ إلى نقل التلامذة كمورد رزق إضافي، بعدما أصبحت زراعة التبغ «ما بطعمي خبز»، رافضاً تعميم وزارة التربية المتعلق بالمراقب، وهو يعتمد على اتخاذ الاحتياطات الضرورية في قيادته «والاتكال على الله». بدوره، يلفت سعدو برو، صاحب أوتوكار، إلى أن طرقات المنطقة تكفيها فانات من هذه النوعية وأن «الأجدى بالدولة أن تنظر إلى مشاكلنا، سواء بالضرائب المضاعفة على البنزين أو الدعم الوهمي للمازوت». وعن توظيف مراقب يعاونه يقول: «بعد ناقص حدا يشاركني بعد ما دخل البنزين شريك مناصفة معي!».
لكن جو دكاش، رئيس اللجنة اللبنانية للوقاية من الحوادث المدرسية (لاسا) يشرح لـ«الأخبار» أهمية وجود المراقب الذي يؤدي دور الرقيب والمسيطر على أوضاع التلامذة من الأعمار المختلفة والسائق معاً، مع أهمية اعتماد مقعد واحد لكل تلميذ. وإذا تعذر توظيف شخص يقوم بهذه المهمة تستطيع إدارة المدرسة الاستعانة بأحد النظار أو المعلمين أو بطلاب أكبر سناً.
يؤكد دكاش أنّ المسؤولية لا تقع على وزارة التربية وحدها، فوزارة الداخلية والبلديات مطالبة هي الأخرى بمراقبة المعاينة الميكانيكية وغيرها. وهنا، تطرح «لاسا» تأليف لجنة مشتركة بين الوزارات المعنية بإدارة رئاسة الحكومة، لتكون قراراتها أكثر فعالية. لكن دكاش لا يخفي طغيان الأولويات السياسية على الإنسانية، فيما لا يؤدي الأهل دورهم الرقابي في هذا المجال.