عاد أمس «الشاهد الملك» محمد زهير الصدّيق، مؤكداً اتّهام مسؤولين سوريين ولبنانيين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وعادت معه بوادر تقدّم السياسة على معايير العدالة الجنائية، لا عبر «السياسة» لكن بسبب عدم ملاحقة المحكمة الدولية لـ«مشتبه فيه»
عمر نشّابة
«اتهم ضابط الاستخبارات السورية السابق محمد زهير الصدّيق الذي يعرف بـالشاهد الملك في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كوادر من حزب الله بالتورط في الجريمة، وجدد تأكيد كل ما أدلى به أمام لجنة التحقيق الدولية، كاشفاً أن القرار الاتهامي سيكون زلزالاً أقوى بعشرة أضعاف من زلزال الجريمة». بهذه الكلمات، وبسيل من عبارات التحقير بحق سياسيين وضبّاط لبنانيين، نجحت صحيفة «السياسة» الكويتية في عددها الصادر أمس في إعادة الصدّيق إلى الأضواء. وكانت أخبار «الشاهد الملك» قد شحّت بعد إدانته قضائياً في دولة الإمارات العربية المتحدة مطلع تشرين الأول 2009 لدخوله البلاد بجواز سفر مزوّر.
عادت إذاً روايات الصدّيق القديمة ـــــ الجديدة إلى الساحة، لكن هذه المرّة انطلاقاً من «إحدى الدول الأوروبية حيث يقيم بعد مغادرته الإمارات العربية المتحدة» بحسب «السياسة».
وكانت محكمة أمن الدولة العليا في الإمارات قد أصدرت حكماً يقضي بسجن «الشاهد الملك» ستة أشهر، وإبعاده بعد انقضاء العقوبة. وصرّح يومها فهد السبهان، محامي الصدّيق بأن «العقوبة تنتهي منتصف تشرين الأول»، وبالتالي فإن موكله كان قد رجّح ترحيله من الإمارات في هذا التاريخ.
يصرّ الصدّيق في «السياسة» على أنه ما زال «الشاهد الملك»، قائلاً: «أنا من قال إن الانتحاري ليس أحمد أبو عدس، وإن السيارة من نوع ميتسوبيتشي، وأنا من كشف الشريط المسجل الذي صوّر السيارة، والاتصالات التي جرت قبل التفجير وبعده».
يذكر أن رئيس لجنة التحقيق الدولية الأوّل، الألماني ديتليف ميليس، كان قد أعلن في تقريره إلى مجلس الأمن الدولي أن الصدّيق «مشتبه فيه» عبر الفقرة 104 التي جاء فيها: «زوّد شاهد آخر، صار في ما بعد مشتبهاً فيه، وهو زهير بن محمد سعيد الصدّيق، اللجنة بمعلومات مفصّلة عن الجريمة، ولا سيما في ما يخصّ مرحلة التخطيط».

كيف يمكن ألّا يكون التحقيق مع «مشتبه فيه» من اختصاص المحكمة؟
لكن المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان التي انطلق عملها رسمياً في الأول من آذار 2009، رفضت اعتبار التحقيق مع الصدّيق لإدلائه بمعلومات غير صحيحة من اختصاصها. وأكّد مسؤولون فيها أن الصدّيق ليس شاهداً لديها ولا علاقة لها به، «لا من قريب ولا من بعيد». ويطرح ذلك تساؤلات في أوساط قضائية وسياسية واجتماعية لبنانية، إذ كيف يمكن ألّا يكون «مشتبه فيه» في جريمة اغتيال الحريري من اختصاص محكمة خاصة بجريمة اغتيال الحريري؟
وعلّق أمس المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج على ما ورد في «السياسة»، داعياً رئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي أنطونيو كاسيزي «إلى استعادة رئاسة المحكمة من خلال إزاحة الصدّيق واستعادة كل شهود الزور ومحاسبة مَن وراءهم حرصاً على الحقيقة».

فون هابيل في بيروت

تزامنت انطلاقة «الشاهد الملك» الجديدة في «السياسة» مع وصول رئيس القلم بالنيابة في المحكمة الخاصة بلبنان الهولندي هيرمان فون هابيل أمس إلى بيروت، في زيارة تستمرّ أسبوعاً. الزيارة «لشكر الحكومة اللبنانية والمسؤولين على دعمهم لجهود المحكمة، وتنسيق التعاون وشرح دور رئيس القلم، باعتبار أن القلم هو جهاز محايد مهمته تقديم الخدمات والمساعدات للأجهزة الأخرى وتدعيم الأجهزة الأخرى في المحكمة»، بحسب الناطقة الرسمية باسم المحكمة فاطمة العيساوي.
استهل فون هابيل جولته على المسؤولين السياسيين والقضائيين اللبنانيين بزيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، ثم زار رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد عيّن فون هابيل رئيساً لقلم المحكمة بالنيابة في الأول من آذار 2010 بعدما كان سلفه الأميركي دايفد تولبرت قد أعلن استقالته من منصبه في كانون الثاني 2010. وأثارت استقالة تولبرت تساؤلات لأنها جاءت بعد أشهر قليلة على تعيينه لخلافة أوّل رئيس قلم للمحكمة البريطاني روبن فنسنت الذي كان قد استقال أيضاً في 21 نيسان 2009.


الصدّيق في لاهاي؟

كان رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة ديتليف ميليس أوّل من عمّم اسم محمد زهير الصدّيق في تقريره الأول في 19 تشرين الأول 2005 إلى مجلس الأمن الدولي. وورد في التقرير الدولي أنّ «اجتماعات التخطيط» لاغتيال الرئيس رفيق الحريري كانت قد عُقدت «في شقة الصديق في منطقة خلدة، وغيّر مكانها لاحقاً إلى شقّة في الضاحية» (الفقرة 107).
ووردت أمس معلومات عن استدعاء فريق تحقيق المدعي العام برئاسة البريطاني مايكل تايلور، مالك الشقّة المذكورة في الضاحية الجنوبية، اللبناني «م. م.» لإعادة التحقيق معه بعد انقطاع طويل. سأل المحقّقون م. م. عن معرفته بالصدّيق، وطلبوا منه أن يعيد رواية ما جرى.
لكن لا شكّ أن هذه المعلومات التي تناقلتها أمس أوساط متابعة نقلاً عن م. م. محيّرة، إذ كيف يمكن أن يعيد المحقّقون فتح ملفّ تحقيقات ميليس في بيروت بينما يطلق من عُدّ مشتبهاً فيه تصريحات صحفية من أوروبا كما تقول «السياسة»، وربما من لاهاي، حيث يقع مقرّ المحكمة؟
الأخبار