أول من أمس توفّيت عاملة نيبالية، أقفل التحقيق في سبب وفاتها بسرعة، وخلص المحقّقون إلى أنها انتحرت. التقارير الأمنية تشير إلى وفاة عاملة كل أسبوع تقريباً، والناشطون يطالبون بمعالجات جديّة لمشاكل هؤلاء الفتيات
بيسان طي
صباح أول من أمس، نحو الساعة التاسعة والنصف، وُجدت العاملة النيبالية متوفّية في منزل مشغّليها في بلدة في المتن. الخبر كما ورد في الوكالة الوطنية جاء فيه «أنّ لانتا هاري (20 عاماً) أقدمت على الانتحار... بعدما شنقت نفسها بحبل».
بعد أقل من 48 ساعة على الوفاة خُتم التحقيق، وخرج المحقّقون باستنتاج مفاده أنّ الموت وقع نتيجة الانتحار، ولمّا حاولت «الأخبار» الاستفسار كان رد مسؤول أمني «التحقيق خُتم، النيابة العامة أقفلت الملف، وسفارة بلادها على علم بمجريات التحقيق والنتيجة».
هل يمكن أن ينتهي تحقيق في وفاة خلال ما يقل عن 48 ساعة؟ يردّ المسؤول بأنّ الاستنتاج بفرضية الانتحار لا يحتاج إلى جهد، فـ«هي وُجدت معلّقة بحبل»!

عود على بدء...

في الشهور الأخيرة من العام الماضي دقّت منظمة «هيومن رايتس ووتش» ناقوس الخطر، رأت أن تشرين الأول 2009 هو «الشهر الدامي لعاملات المنازل». سُلّطت الأضواء لبعض الوقت على أوضاع هؤلاء العاملات، وعلى المعاملة السيّئة التي تلقاها غالبيتهنّ من أرباب العمل.
من الأمور التي ركّزت عليها حينها المنظمة، ومحامون وناشطون في جمعيات تدافع عن حقوق الإنسان، عملية إقفال ملفات التحقيق بسرعة قياسية، وبتّ كون الوفاة نتجت من عملية انتحار في معظم الأحيان. فيما تطول التحقيقات عادةً في كل القضايا الأخرى في لبنان.
رغم التقارير والنداءات، فإن «نزف» العاملات الأجنبيّات لم ينته، أخبار موت بعضهن تتوالى، وفي الوقت عينه يصعب إعطاء رقم محدد عن أعداد الوفيات بينهن، إذ إنه في أحيان كثيرة لا ترد في التقارير المختصة كل الأخبار المتعلقة بوفاة عاملة. وقد حاولت «الأخبار» الاتصال بوزارة الخارجية لمعرفة أعداد العاملات اللواتي نُقلن إلى بلادهن بعدما لقين حتفهن في لبنان ـــــ وذلك على اعتبار أنّ سفارات بلاد هؤلاء العاملات تنسّق أو تُعلم هذه الوزارة عند نقل جثث الراحلات ـــــ لكن الإجابة لم ترد، إذ إنّ الموظّفين في دائرة الأجانب أحالونا على دائرة الشؤون السياسية، وعاد موظفو هذه الدائرة ليحيلونا على دائرة الأجانب، وقالت إحدى الموظفات «بالطبع لا نملك إحصاءً بعددهن».
في غياب الإحصاءات الرسمية، يمكن التوقف عند بعض الحالات، ففي الأول من الشهر الجاري، وُجدت العاملة النيبالية ليلى ع. جثة هامدة، رقبتها معلّقة بحبل، ومربوطة بنافذة منزل مستخدميها.
في 7 حزيران الماضي، وقعت العاملة الإثيوبية كوما سيبوكا من شرفة منزل مستخدميها في الطبقة الثالثة من مبنى في منطقة النقّاش. في 18 آذار الماضي، رمت أمبيلغا سيلاج نفسها من نافذة مكتب استقدام عاملات ما أدّى إلى وفاتها.
الباحث في منظمة «هيومن رايتس ووتش» نديم حوري يؤكّد أنّ حالات وفيات العاملات الأجنبيات ما زالت مستمرة، «قد تنخفض في بعض الشهور، ترتفع في شهور أخرى، لكن المشكلة لم تنته». يثني حوري على بعض الخطوات التي اتخذتها الدولة في محاولة منها للحد من انتهاك حقوق العاملات الأجنبيات، كالعقد الموحّد أو إطلاق الخط الساخن، لكنه يلفت من جهة أخرى إلى أن هذه الخطوات تظل ناقصة إن لم تكن مدعّمة بقرارات عملية. فقد «أعلن وزير العمل بطرس حرب إطلاق الخط الساخن في 2 حزيران الجاري، واتصل مندوب المنظمة بالرقم المحدد في 7 تموز الماضي، فردّ عليه الموظف المتابع قائلاً له إنهم لم يتلقّوا أية شكوى».


انتهاكات في كل مكان

في شهر تموز الماضي نشر موقع «بي بي سي» تحقيقاً سلّط فيه الأضواء على سلوك إدارات المنتجعات الصيفية، وخاصةً تلك المحاذية لشاطئ البحر، تجاه عاملات المنازل الأجنبيات. حيث يُمنع عليهن ارتياد المسابح. وكانت «الأخبار» قد نشرت تحقيقاً عن هذا الموضوع (العدد 896).
في موقع «بي بي سي» نُشر شريط فيديو يتضمّن حديثاً بين ناشطة وموظّف في منتجع سياحي، الناشطة تحاول إدخال عاملة إلى المنتجع، فيما يرفض الموظّف ذلك. وقد نشرت عدّة مواقع إلكترونية المقال وشريط الفيديو، ولاقى هذا التصرف استنكاراً كبيراً، إلا أنّه لم يثر نقاشاً يُذكر في لبنان، ولم تتحرّك المؤسسات الرسمية المختصة للدفاع عن حق العاملات في الاستجمام. اللافت أيضاً أنّ معظم وسائل الإعلام اللبنانية تجاهلت الحديث عن التحقيق وشريط الفيديو.