بعد ساعات قليلة على حادثة برج أبي حيدر الدامية، أطلق سياسيون شعار «بيروت منزوعة السلاح». أثار الشعار سجالاً، ولكن السؤال هل هو شعار واقعي قابل للتطبيق أمنياً؟ وهل ثمة رؤية عملية مطروحة من أصحاب هذا الشعار لتطبيقه؟ أم أنه مجرد شعار أعد على عجل للاستغلال السياسي؟
محمد نزال
«أنا أملك سلاحاً فردياً، لكن ما نقصده هو السلاح الحزبي، لأنه ربما هناك سلاح فردي في كل البيوت اللبنانية»... يقولها أحد نواب تيار المستقبل ضاحكاً، مجيباً عن سؤال وجّه إليه عما يقصده هو وزملاء له بعبارة «بيروت منزوعة السلاح». إجابة النائب لا تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن السلاح الفردي يقتل أيضاً، ويمكن ارتكاب مجازر به، والشواهد على ذلك كثيرة في لبنان، وهو سلاح موجود في أغلب المناطق، وبيد مختلف الفرقاء، فلماذا تخصيص بيروت في هذا الموضوع ولماذا التصويب باتجاه فريق معيّن؟
بهذا السؤال توجهت «الأخبار» إلى عدد من نواب تيار المستقبل، وذلك إثر حادثة برج أبي حيدر الدامية، فبدا واضحاً من خلال التصريحات أن شعار «بيروت منزوعة السلاح» لا يحمل تعريفاً موحداً من مطلقيه، وكذلك لا رؤية موحدة لدى هؤلاء لناحية الآلية التي يفترض أن تعتمد لجعل هذا الشعار
واقعاً.
لا يجد النائب نهاد المشنوق غضاضة في تأكيد «خصوصية بيروت، التي فضّلت على الكثيرين، والتي فيها نحو 40% من اللبنانيين والنسبة الأكبر من حركة الاقتصاد». ويضيف في حديث مع «الأخبار» قائلاً: «لا أملك جواباً على كيفية جعل بيروت منزوعة السلاح من الناحية التقنية، ولكن أقول إنه يجب أن تجتمع هيئة الحوار الوطني برعاية رئيس الجمهورية، لأخذ القرار في ذلك الشأن ووضع خطة لتحقيق الهدف».
يحرص المشنوق على ألا يبدو كلامه موجهاً ناحية «حزب الله»، الحزب الذي رأى بعض نوابه أن الشعار المطروح إنما هو «غمز من سلاح المقاومة». يقول المشنوق إن المطلوب هو «إخراج السلاح الحزبي من بيروت، سلاح كل الأحزاب بلا استثناء، السلاح الحاضر لافتعال المشاكل، إلا إذا كان هناك أعداء مجهولون ونحن لا نعرفهم».
حاولت «الأخبار» الوقوف على رأي المسؤولين الأمنيين، لمعرفة ما إذا كان بالإمكان نزع السلاح من بيروت واقعياً، أم أن الأمر يبقى مجرد شعار للاستهلاك السياسي فقط؟ غير أنهم فضلّوا «عدم الخوص في هذا الموضوع حالياً». كانت «الأخبار» قد أثارت موضوع تفلت السلاح قبل نحو شهرين (ابتهاج ومشاكل عائلية: تفلّت السلاح في موسم السيّاح ـــــ عدد الثلاثاء 29 حزيران 2010)، وسألت المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي عن الموضوع، فأشار إلى أن «المسألة ليست بيد قوى الأمن، إذ إنها تحتاج إلى قرار سياسي قبل أن نتمكّن من الدخول إلى البيوت لسحب هذا السلاح». يتفق الخبير في الشؤون العسكرية العميد الياس حنّا مع هذا الرأي، فيقول إن «التوافق السياسي في لبنان هو نواة الاستقرار، وخاصة في ظل وجود معضلة أمنية بين الفرقاء، وهي تأخذ شكل الخوف المتبادل من الآخر، وبالتالي لا مجال لحل معضلة السلاح أمنياً من دون توافق سياسي». وفي حديث له مع «الأخبار» أشار حنّا إلى أن الحل كان يجب أن يبدأ بعد انتهاء الحرب الأهلية، وبكل الأحوال لا بد من اعتماد مراحل للحل، مقترحاً أن تشتري الدولة كل السلاح الموجود بين أيدي الناس «بأسعار مضاعفة للتشجيع، وبدون أي ملاحقة قانونية ضمن مهلة معينة. بعد انتهاء هذه المرحلة، ومع بقاء السلاح، عندها يُنزع من أيدي الناس بالقوة». ولفت حنّا إلى أن السلاح الفردي ظاهرة موجودة في كل دول العالم، وحتى في أميركا يشتري المواطنون السلاح من المتاجر «ولكن ضمن النظام، فلا أحد يحصل على مسدس مثلاً وإلا وتعلم الأجهزة الأمنية بذلك، من خلال ملء استمارة وإبراز الهوية وما شابه، ولكن شخصياً لا أتصور أن قضية السلاح المتفلت ستحل في لبنان، وأتصور أنها ستبقى «كليشيه» لاستقطاب الشارع سياسياً، في ظل الصراع الداخلي والإقليمي المؤثر». ختم حنا بالقول إن أكبر الحروب في العالم خيضت بما يعرف بـ«الماشيت»، أي الشفرات الكبيرة، فكل سلاح يقتل هو سلاح يمكن أن تخاض فيه الحرب، والسلاح الخفيف منتشر، ولكن قبل كل ذلك فإن «الحرب تبدأ في عقل الإنسان، قبل السلاح، ومن هناك تجب المعالجة».
خلال الأيام القليلة الماضية، كان نائب تيار المستقبل عمّار حوري أحد أكثر النواب نشاطاً في تكرار شعار «بيروت منزوعة السلاح». اتصلت «الأخبار» بالنائب البيروتي وسألته، لماذا بيروت؟ فقبل يومين حصل حادث إطلاق نار في مجدل عنجر، فلماذا لم يرفع الشعار هناك مثلاً، ووقع حادث في طرابلس، وقبل أشهر كادت أن تقع مجزرة في منطقة الأشرفية داخل أحد الملاهي الليلية، عندما حصل تبادل إطلاق نار بين أحد المواطنين ومرافقي أحد الشخصيات؟ أجاب حوري، قائلاً: «صحيح ذكرنا بيروت، ولكن نحن نريد ذلك لكل لبنان، وأول فريق مطالب هو حزب الله». ماذا لو حصل إنزال عسكري إسرائيلي على لبنان لاحقاً في أي عدوان محتمل، أو اجتياح مثلاً، فكيف سيدافع اللبنانيون عن مدينتهم وهي خالية من السلاح؟ يرد حوري على السؤال بسرعة كمن أعد الجواب سلفاً، ويجيب سائلاً بدوره: «حسناً، ماذا لو حصل إنزال عسكري في الرابية؟ أو حتى في جونيه؟ وبعيداً عن ذلك، نريد أن نعرف ما هو الحد الفاصل بين سلاح المقاومة وسلاح الزعران». كسواه من النواب الذي رفعوا شعار «بيروت منزوعة السلاح»، لم يكن لدى

كل سلاح يقتل هو سلاح يمكن أن تخاض فيه الحرب، والسلاح الخفيف منتشر في لبنان


حوري رؤية ميدانية أو اقتراح عملاني لجعل هذا الشعار واقعاً، فـ«الجواب ليس عندنا، ولتبحث اللجنة الوزارية في الموضوع».
أحد أعضاء اللجنة الوزارية الثلاثية، وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، كان «واقعياً» في تناول الموضوع، فلفت إلى أن اللجنة التي أُلّفت لمعالجة قضية انتشار السلاح «لن تجترج العجائب، بل ستقوم بالحدّ الأدنى المطلوب من الدولة». تحدث بارود عن «تنظيم وضبط ملف السلاح ومن يحمل السلاح، ولم يتحدث عن نزع»، ورأى أن الملف طُرح بالجدية اللازمة منذ عام 1991 عندما تألّفت لجنة وزارية لجمع سلاح الميليشيات، يومها «وقع الخطأ عندما لم يُجمع السلاح الثقيل واقتصر الأمر على السلاح الخفيف والمتوسط، أقول هذا ليس للتخفيف من مسؤولية الحكومة، بل لأشير إلى أن ملف السلاح ورثته الحكومة، وهذا الأمر واضح لدى الجميع».
من جهته، رفض نائب حزب الله نواف الموسوي الخوض في مناقشة عبارة «بيروت منزوعة السلاح» من الناحية التقنية، معتبراً أن «هناك استغلالاً لا أخلاقياً حصل لحادثة برج أبي حيدر، وعلى ما يبدو أنه من خلال الشعارات التي تطرح، فإن البعض لا يزال يواصل انخراطه في مشروع إقليمي دولي لإلغاء المقاومة، ولكنهم يستغرقون في الغباوة ككل مرة». ورأى الموسوي في حديث مع «الأخبار» أن «الاستغلال الرخيص للحادثة ستكون له تداعياته على العلاقات».


رخص حمل السلاح من صلاحية وزارة الدفاع

ينص قانون الأسلحة والذخائر اللبناني على أن صلاحية إعطاء رخص اقتناء السلاح، وحيازته وحمله، منوطة بوزارة الدفاع حصراً. وتنص مواد القانون المذكورة على «حظر نقل الأسلحة والذخائر أو حيازتها من الفئة الرابعة في الأراضي اللبنانية، ما لم يكن الناقل حائزاً رخصة صادرة من قيادة الجيش، وتعطى لمدة سنة واحدة ويجوز تجديدها». وتعتبر أسلحة وذخائر من الفئة الرابعة، بحسب القانون، كل من: «المسدسات ذات الأكره أو المسدسات الأوتوماتيكية، الذخائر المحشوة أو غير المحشوة المعدة لهذه المسدسات والأمشاط والمواسير والهياكل، الأسلحة التي يمكن أن تستعمل فيها ذخائر الأسلحة الحربية، وجميع الذخائر التي تستعمل في الأسلحة الحربية بما فيها خرطوش الصيد المحشوة برصاصة واحدة من عيار 8 ملم وما فوق، إضافة إلى الحراب والسيوف والرماح غير الأثرية».