أحمد محسنأنا مع المقاطعة الدائمة. هكذا، وبلا مقدمات. أولي العدم اهتماماً شديداً، ويشعرني الحديث عن الانتخابات النيابية بكآبة بالغة. طبعاً، أنا متخلّف. لست «عميقاً» كأبناء جيلي المفرطين في الذكاء. لا يزعجني كوني مجرد مخبول يكتب عن برشلونة، ويرسم الأوكرانيات اللواتي يعبرن في الأشرفية. في النهاية، الأشرفية بالنسبة إلي، هي أشرفية الأوكرانيات، لا أشرفية أحد آخر، ولو صُنفت متعدياً عليها تبعاً للديموغرافية اللبنانية المذهلة. قد يتطلب هذا توضيحاً، وأنّي لا أتهم الأشرفية بالسقوط من التاريخ، وتحولها إلى ملاذ لصغار المرشحين وعجائزهم. لا فرق، نحن نتنفس النفي، وكل ما نسمعه، يبدأ بالرفض وينتهي بالـ«لا». على العكس تماماً، فلو ترشحت فكتوريا، عن مقعد العاهرات الجميلات في «كييف»، فسأدس اسمها في ذلك الصندوق المزعج بلا تردد. يروقني أيضاً أنّي أحب من صيدا أحياءها وأفتش بين حجارتها عن أصابع مَن مروا. صيدا ليست مدينة حلويات، وطعم «السنيورة» لم يعد جيداً. أساساً، نحن في زمن الشوكولا. وكي لا أنسى، اسمحوا لي بأن أتطفل مجدداً على الشمال وفقرائه الرائعين، الذين يفتشون عن الجهة المؤدية إلى الرغيف، ولا يفوق هذا الحلم إلا الدولار الأميركي الشهي، وعلى زيتون الكورة المصادر لأسباب شوفينية، يزايد مسببوها بعضهم على بعض في عقف الصلبان، دائرياً أو عمودياً.
الجميل في الأمر، أنّ حديثي عن الجنوب لن يكون تطفلاً. هناك، عند الربيع تبدأ التفاصيل، وفي الصوت البعيد، عبر السماء النقّالة، تصطادني الغرائز وتستريح. أراقب جبلي المظلل بأطفال الشهداء، لأخدع نفسي بالموسيقى. وعبوراً بأرواح آخرين، أصل ولو متأخراً، إلى الأسرّة الدافئة في الجحيم. يستحيل أن يكون ذلك المكان محطة مملة للتنازع بين أولياء صالحين يتحالفون مع فاسدين، وأصحاب سيارات محترقة، يستعيدون عهداً بورجوازياً، تبصقه الأرصفة في مرجعيون. في الحالات كلها، هنا في لبنان، منتخبون كهؤلاء، يستحقون مرشحين كأولئك، والشعوب على أشكالها تقع. في الفترة الحالية سأبقى منكبّاً على البحث عن بديل للأرض، فقد ثقبوا الأوزون أيضاً.