أحمد محسن
كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف صباحاً، أمس، حين بدأ الشبان في جمعية «إندي آكت» تجمّعهم أمام مبنى جريدة «النهار» في وسط العاصمة، تمهيداً للاعتراض على حضور ممثلي شركات التبغ جلسة لجنة الإدارة والعدل النيابية. كان يُفترض أن تدرس اللجنة مشروع قانون للحد من التدخين. فوجئ الناشطون بسيارة رباعية الدفع «تخص قوى الأمن الداخلي» تتجه نحوهم. ووفقاً للمسؤول الإعلامي في الجمعية، علي فخري، فإن المفاجأة تجددت حين عرف الشباب أن رجلي الأمن بالثياب المدنية، يعرفان أن الشباب ناشطون بيئيون، وأن «الأمن» على علم بالتفاصيل الدقيقة لنشاطهم. هكذا، وقبل انطلاق الشباب لتوزيع ملصقاتهم المصرّة على توضيح بعض ملاحظاتهم، اندفع نحوهم عشرات من رجال الأمن، بثياب مدنية وعسكرية. أخذوا منهم الأوراق، وطردوهم من وسط المدينة، قبل انطلاق الجلسة. ضيّعوا عليهم فرصة إيصال صوتهم إلى البرلمان، في سبيل إقرار قانون عادل للحدّ من التدخين. لم يكن ذلك الحدث الأول من نوعه، فهو تكملة لسلسلة نشاطات، عقد آخرها قبل يومين في الجامعة الأميركية في بيروت. لم تكتف الأخيرة بمنع التدخين والإعلانات حول هذا الموضوع في حرمها، بل عقدت مؤتمراً صحافياً قبل يومين، للمطالبة بوضع قانون «خالٍ من الثغرات» للحدّ من التدخين في لبنان، ينسجم مع مقررات اتفاقية منظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ. كان لبنان قد أقر هذه التعديلات في كانون الأول 2005، لكن التنفيذ مؤجل طبعاً. فالأمر لا يزال «مضحكاً» في الجامعات اللبنانية.
جاء تحرك «إندي آكت» في سياق الضغط المتواصل من أجل التوعية. فأغلب طلاب الجامعة اللبنانية يتعاملون مع موضوع منع التدخين في الأماكن العامة على أساس أنه لا يتعدّى المزاح. صحيح أن الكافتيريا في حال وجودها (بعض كليات الجامعة اللبنانية لا تحوي كافتيريا أصلاً) لا تبيع علب السجائر، لكن الطلاب المدخنين يحصلون على «ذخيرتهم» من الدكاكين القريبة دائماً. لا تختلف الأمور كثيراً في جامعة بيروت العربية. وكما هي الحال في مجمع الحدث الجامعي، تحيط بـ«العربية» سلسلة طويلة من المقاهي، يعتمد أغلبها على بيع النارجيلة. تتشابه حال الجامعتين مع كثير من الجامعات الأخرى. كان التحرك ضرورياً، وقد قمعه الأمن.
تشير جمعية «إندي آكت»، الناشطة في شؤون البيئة والصحة، إلى أن قضية منع التدخين هي قضية «عدالة اجتماعية»، أكثر مما هي مسألة صحة عامة. فحرية الشخص تنتهي عندما تؤثر على حرية الآخرين. وترى الجمعية أن من حق كل شخص أن يعيش في هواء نظيف، ولا يحق لأي شخص أن يهدد حياة شخص آخر، وثمة أولاد وأطفال يدخلون الأماكن العامة، فيما «يهدد المدخّنون صحتهم». على أية حال، اكتفت السلطات الرسمية بقمع ناشطي «إندي آكت». برأي النائب السابق اسماعيل سكرّية، التغيير غير ممكن «من فوق»، فالشركات تحظى بنفوذ كبير، والثغرة الوحيدة هي في التوعية. يجب العمل دائماً في هذه المساحة، لأن المساحات الأخرى يتغلغل فيها الفساد. لاقاه في ذلك عميد كلية الصحة في الأميركية، إيمان نويهض، الذي أكد أن المؤسسات الأكاديمية والبحثية لديها دور كبير تؤديه في التأثير على صنع السياسات. الجامعة ليست مكاناً لإدخال المناهج في الرؤوس فحسب. وفيما كان نويهض معتدلاً، تطرّفت ريما نقّاش، الباحثة المساعدة في كلية العلوم الصحية ومنسّقة
60% من طلاب لبنان دخّنوا أو يدخّنون السيجارة أو النارجيلة
لديها أسبابها لإطلاق هذا الإنذار الآن: «لبنان يملك إحدى أضعف سياسات الحدّ من التدخين في الشرق الأوسط. وتظهر الدراسات أن 150 ألف طفل و350 ألف بالغ سيموتون خلال الأعوام المقبلة بسبب التدخين إذا لم نفعل شيئاً». شركات التبغ تحاول تشريب عادة التدخين لطلاب المدارس. هذا ما أكده غازي زعتري، رئيس دائرة الباتولوجيا والطب المخبري بالجامعة الأميركية، الذي ذكّر بأن أخطار النارجيلة توازي السيجارة، إذ يتعرّض مدخنها لـ4800 مادة سامة. في المحصلة، 60% من الطلاب في لبنان دخّنوا أو يدخنون السيجارة أو النارجيلة، بالمقارنة مع 6% في إنكلترا
مثلاً.
الطلاب ليسوا سوى البداية. ووفقاً لتقارير منظمة الصحة الدولية، في هذا العام سيموت 3500 شخص في لبنان بسبب التدخين.
نحو منع التدخين؟
بحثت لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي، أمس، اقتراح قانون للحدّ من التدخين في لبنان. وبعد اجتماع حضره أعضاء اللجنة، وممثلون عن عدد من شركات التبغ في لبنان، وآخرون عن وزارتي الاقتصاد والصحة، ونقيب الأطباء، قال النائب روبير غانم، إن البحث تمحور حول الإعلانات المروّجة للتدخين، إضافة إلى منعه في الأماكن العامة بعد تحديد صفاتها، ومكان عبارات التحذير على منتجات التبغ، وتشديد العقوبات. لكن، لم يصدر أيّ قرار عن المجتمعين.