أريحا | فسيفساء قصر هشام في أريحا هي الأكبر في العالم ومن التحف الأثرية الفريدة التي تعود إلى الفترة الأموية. لكنها مغطاة بالرمل مخافة من أن تدمر أو يحصل لها أي سوء. لذا، عقدت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، بالتعاون مع اليونسكو، ورشة عمل في قصر هشام الأموي في أريحا، لبحث تفاصيل مشروع يتعلق بعرض هذه الأرضية الفيسفسائية. وقصر هشام من أهم القصور الأموية في بادية الشام، ويحوي أرضية فسيفساء شهيرة، تُعرف باسم «شجرة الحياة»، وهي إحدى روائع فن الفسيفساء في الفترة الأموية، المتأثر، في الأغلب، بالفن البيزنطي، وأخرى غير معروفة إلا للمختصين، وهي التي يجري البحث في مستقبلها، ما يبرز أهمية ورشة العمل التي هي الخطوة العملية الهامة

، التي قد تضع حداً للحيرة الفلسطينية وتؤدي إلى رفع الرمل عن الفسيفساء المغطاة منذ اكتشافها خوفاً عليها. وحسب الدكتور حمدان طه، الوكيل المساعد لقطاع الآثار والتراث الثقافي، فإن أرضية فسيفساء قصر هشام هي أكبر قطعة فسيفساء متواصلة في العالم، وتبلغ مساحتها الإجمالية 850 متراً مربعاً.
يقع قصر هشام على الضفة الشمالية لوادي نويعمة في وادي الأردن، على بعد نحو 2 كم إلى الشمال من مركز مدينة أريحا. ويعرف الموقع بأطلال خربة المفجر. وقد نسب القصر إلى الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، لكن يعتقد اليوم أن القصر شيد على مراحل إبان عهد الخليفتين هشام بن عبد الملك (723/743م) والوليد الثاني (743ـ744م). ولم يكن هذا القصر هو المقر الرسمي للخليفة، بل كان قصراً شتوياً للراحة والاستجمام شُيد على أطراف بادية الشام كقصر المشتى وقصير عمرة وقصر المنيا وقصر الحير الشرقي (في الأردن وسوريا). وقد دمر هذا القصر العظيم، بزلزال عنيف ضرب المنطقة نحو عام 749م، قبل أن يكتمل بناؤه. وأعيد استخدامه جزئياً في الفترتين العباسية والأيوبية. ونقّبت دائرة الآثار الفلسطينية الانتدابية ما بين 1935ـــــ 1948 في الموقع، تحت إشراف كل من د. ديمتري برامكي ود. روبرت هاملتون. وتجددت التنقيبات سنة 2006 تحت إشراف دائرة الآثار الفلسطينية. ويتكون الموقع من القصر والحمام الكبير والمسجد والنافورة وساحات وحدائق يحيط بها سور خارجي وحير. أما المنطقة الشمالية فقد جرت فيها تنقيبات جزئية، أظهرت سلسلة من المباني، يعتقد أنها جزء من خان ومساكن لعمال القصر. وتضم أرضية الفسيفساء، وهي أرضية قاعة الحمام الكبير في القصر، 38 لوحة فسيفسائية، صممت بنماذج فريدة لتتلاءم مع سقف الحمام وتقسم إلى لوحات دائرية ومستطيلة. ويقع الحمام الكبير في الجهة الشمالية للقصر. ويحتوي على ردهة الاستقبال المقببة وسلسلة من غرف الاستحمام الساخنة والدافئة، والمراحيض.
وفي الجهة الجنوبية من الحمام عُثر على بركة سباحة بطول 20 متراً وعمق متر ونصف. وكان القصر قد زود بالمياه من نبعي الديوك والنويعمة، أسفل جبل قرنطل، على بعد 4 كم إلى الغرب، بواسطة قناة مكشوفة، وتقطع قناة الماء وادي النويعمة في نقطتين على قناطر محمولة، وتصب المياه في بركة كبيرة إلى الغرب من القصر. وردهة الاستقبال الباردة هي المعلم الرئيسي للحمام، وأبعادها 30×30 متراً. وكان المدخل الرئيسي للحمام من الجهة الشرقية عبر ممر مسقوف ومرتفع، وضعت فيه تماثيل جصية لمغنيات مكشوفات الصدور، وطيور، وتمثال من الحجر الأحمر، قد يكون للخليفة الوليد الثاني، وهو واقف بمفرده وتحته أسد رابض، مرتدياً زيه الرسمي حاملاً سيفه بيده. وجميع هذه الآثار كانت معروضة في المتحف الفلسطيني بالقدس الذي سيطرت عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي واستملكت المكتشفات.
وإذا ما تكلل مشروع الكشف عن أرضية الفسيفساء هذه بالنجاح، فسيسهم ذلك أولاً في الحفاظ عليها وزيادة الجذب السياحي لمدينة أريحا، وسيكون بلا شك حافزاً للباحثين، لدراسة الحياة الداخلية للخلفاء في الفترة الأموية، التي امتازت بالبذخ والانفتاح، وهو ما يمكن استنتاجه مما تصوره الأرضية الفسيفسائية، إضافة إلى القطع الأثرية التي عثر عليها سابقاً.