إنه زمن المضايقات بالنسبة إلى رواد شواطئ مدينة جبيل. سيناريو كرّ وفرّ بين رجال أمن المشاريع البحرية والمتنزّهين: هذا يغلق الممرّ ليمنع الدخول، ثمّ يعود ليفتحه تحت ضغط الشارع... وذاك يصل بكراسيه ومظلّاته حتّى كاسر الموج. وآخر ينشر عناصر أمنه ليمنعوا من ليس زبوناً عنده من السباحة في ما يعدّه «منطقته». وفي النهاية يجد المواطن نفسه في حالة مدّ وجزر بين سماح له بالدخول حيناً والمنع حيناً آخر، تبعاً للوضع العام
جبيل ــ ربى الحلو
تزدهر في جبيل المسابح والمنتجعات الخاصة، مستقطبةً زواراً جاؤوا للتمتّع بمياه البحر والخدمات الأخرى المتوافرة ضمن أسعار قد تصل إلى مئات الدولارات يومياً، كلّها تعتمد على القدرة المادية. هذه حال الطبقة الميسورة في البلاد، أما متواضعو الدخل فيفضّلون ارتياد الشواطئ العامة أو ما يعرف بـ«السان بلاش» في لغتنا الشعبية.
يقول لويس صليبا، وهو أحد رواد شاطئ جبيل الرملي المعروف «بالزيرة»، «لا أغالي إذا قلت إنني نشأت على رمال الزيرة الذهبية. فمنذ ثلاثة عقود وأكثر وأنا أرتاده لأطفئ ببرودة مياهه شيئاً من حرّ الصيف. كنا ندعوه «السان بلاش» تيمّناً بمجّانيّته، في موازاة المشاريع البحرية التي تفرغ جيوب الناس قبل دخولهم. ولكن هل أبقت حيتان المال والسياسة شيئاً ببلاش في هذا البلد؟ فمنذ سنوات خمس أو أكثر اجتاحت المشاريع البحرية شاطئ الرمل في جبيل، اغتصبت أراضيه ومياهه... وسرقت رماله... وحتّى مياه البحر قسّمتها بالحبال، ولكلّ منطقته. ليبدأ عصر المضايقات». ويضيف صليبا: «منذ أربع سنوات، كلّ صيف أتعرّض لحادث مع حراس هذه المشاريع البحرية ورجال أمنها، السيناريو نفسه يتكرر. في هذا الصيف، بينما كنت أهمّ بالسباحة قبل المغيب ناداني أحد عناصر الأمن في «إده ساند»، وأراد منعي من السباحة في «منطقته»، كما قال. غاظني كلامه، فقلت له وهل امتلكتم مياه البحر اليوم بعد أن نهبتم رماله واغتصبتم شاطئه؟ اقترب مني مهدّداً وكاد يضربني، لولا أنني وقفت في وجهه. فاكتفى برمي ثيابي على الرمال».
وبالفعل، ألّف مجموعة من المواطنين الجبيليين لجنة مدنية تراقب الشاطئ وتسعى للحدّ من التعديات التي يمارسها أصحاب المشاريع الخاصة على البحر، وقدّموا عرائض مختلفة لرئيس الجمهورية والوزارات المعنية، كما لبلدية جبيل، مطالبين بإزالة التعديات عن الأملاك البحرية وتأمين حقّ المواطنين في الانتفاع بالبحر والملك العام.
ويشير أحد النشطاء المدنيين، غسان صليبا، إلى أن المنطقة البحرية، إضافة إلى كونها سياحية، لها طابع أثريّ. كما أعلن أخيراً نيّة تحويل الشاطئ إلى محميّة بحرية على أثر التعاون بين بلدية جبيل ومنظمة «غرين بيس» العالمية. غير أن المخالفات والتعديات الفاضحة تعوق، كما هو واضح، هذه التحركات.
السؤال البديهي الذي يطرحه المواطن الجبيلي هو: هل هناك تواطؤ بين البلدية و«أصحاب» الأملاك العامة؟
هناك مشاريع عدّة لتسوية التعديات ما زالت نائمة في ملفات مجلس النواب
على الرغم من أن «إزالة التعديات على الشواطئ» كانت أحد البنود الأساسية خلال الحملة الانتخابية الماضية، التي أوصلت المجلس البلدي الحالي، إلا أن الوضع بقيَ على ما هو عليه. يقول رئيس بلدية جبيل الدكتور جوزف الشامي لـ«الأخبار»: «لا سلطة قانونية للبلدية تسمح بإزالة المخالفات أو فتح الطريق أمام روّاد البحر». أضاف: «ما يحصل من منع للسابحين غير صحيح، بل هو نوع من البلبلة في كلّ موسم صيف. نحن كبلدية تحمّلنا مسؤوليتنا وعمدنا إلى تنظيف الشاطئ وزوّدناه بكراسي ومظلات وحمامات». وفي ما يتعلق بالتعديات الحالية، أكّد الشامي أنها حصلت خلال عهد البلدية السابقة التي قدمت رخصاً سمحت بقيام مشاريع مختلفة.
في لبنان عامةّ، اعتدى سياسيون وأقاربهم، إضافة إلى المحسوبين عليهم، على ملايين الأمتار المربعة، وفق شرح المحامي والناشط البيئي عبد الله زخيا. ويقول: «ما يطلق عليه اسم الأملاك البحرية العامة، يضمّ البحر كما المنطقة التي يصل إليها الموج خلال شهر شباط». ويتابع قائلاً «قوانين حماية الشاطئ قديمة وقاسية، فالعقوبة لمن يعتدي على الشاطئ هي السجن مدة عامين، وإعادة المكان على ما كان عليه سابقاً، إضافة إلى دفع مبلغ مالي عطلاً وضرراً». ويؤكّد زخيا أنه لا يحقّ لأيّ شخص قطع تواصل الشاطئ، والمواطن يملك الحقّ في أن يقصد البحر مجاناً.
ويؤكّد شربل خطار أنه مُنع أكثر من مرة من الجلوس على الشاطئ، كما صودرت مظلته وكرسيه، برغم شرحه لرجال أمن «إده ساند» أن الشاطئ هو ملك عام، وأن ما يقومون به من منع هو غير قانوني. ويخبر خطار «تكرر حادث منعي، وعلا الصراخ بيني وبين رجال الأمن، فاتصلت بقوى الأمن الداخلي الذين حضروا وكرروا أمام موظفي المنتجع وعلى مسمع الجميع، أن الشاطئ حقّ عام، ويمكن أيّ مواطن الاستفادة منه».
ويقسم شاطئ مدينة جبيل إلى ثلاثة أجزاء هي: شاطئ جبيل الشمالي، ويعرف بـ«البحصة»، ويمتدّ من بلدة عمشيت إلى ميناء جبيل، ويقطع تواصله مشروع «بيبلوس مارين» الذي شيّد خلال الحرب. شاطئ جبيل الصخري، وسط المدينة (قرب المرفأ وتحت القلعة) المشروع الأساسي الذي يقطع تواصل مياه البحر هو بيبلوس سور مير، وشاطئ الرمل الأثري (جنوب المدينة): الذي يعدّ من أجمل شواطئ العالم، وكان محميّة طبيعية للسلاحف البحرية. أقيمت عدّة مشاريع على امتداده: إده ساند، فينيكس، باي 183، وأخيراً بيبلوس سود.
وأكّد زخيا لـ«الأخبار» «أن هناك مشاريع عدّة لتسوية التعديات ما زالت نائمة في ملفات مجلس النواب». أضاف: «في جبيل، حصلت تعديات فاضحة أخيراً، ومنع الناس في بعض الأحيان من السباحة، ورفعت أسعار الدخول بطريقة غير قانونية».
شاطئ جبيل الرملي حوّله نهب الرمال إلى شاطئ بحص وحجارة، و«من أراد أن يسبح لا مفرّ أمامه من أن يدمي قدميه على الحجارة قبل أن يغطس في الماء... هذا إذا سمح له الحرّاس»، وفق ما عبّر صليبا الذي أكمل قائلاً: «في الصيف الماضي، وضعت بلدية جبيل لافتة صغيرة على الشاطئ تدعو الناس إلى المحافظة على نظافة الشاطئ وتقول: كن نظيفاً يحبّك الجميع»، فمتى يعمل واضعو اللافتة بنصيحتهم هذه؟».