لم تترك إسرائيل في عدوان تموز 2006 مركزاً لـ«مؤسسة الشهيد» إلا دمّرته. والمؤسسة التي تقول إسرائيل إنها من مصادر تمويل حزب الله، تضعها الولايات المتحدة الأميركية على لائحة المنظمات الإرهابية. كيف تعمل هذه المؤسسة؟حسن عليق
في عام 1982 أتى رجل الدين الإيراني عيسى الطباطبائي إلى لبنان، موفداً من مرشد الثورة الإيرانية الإمام الخميني. كانت مهمة الرجل الرئيسية الاهتمام بأُسر شهداء المقاومة. اجتمع حوله عدد من اللبنانيين الذي باشروا بإعداد لوائح بأسماء الشهداء الذين يسقطون في مواجهة الجيش الإسرائيلي، قبل جمع التبرعات، لمحاولة تقديم العون لأبنائهم. الاسم الأول الذي سُجِّل هو للشهيد سمير نور الدين (من بلدة خربة سلم الجنوبية). سقط خلال تصدّيه للزحف الإسرائيلي عند مثلث خلدة. هناك، واجه مقاومون مختلفو الانتماءات الدبابات الإسرائيلية. كان نور الدين ضمن مجموعة من الإسلاميين تضم عدداً من الشبان الذين لا يزال بعضهم حياً يرزق، والذين أسهموا في تأسيس ما أُطلِق عليه بعد نحو 3 سنوات تسمية «حزب الله ـــــ المقاومة الإسلامية».
مع الأيام كانت المقاومة تشتد، ويرتفع عدد شهدائها، ومعه الناس الذين يسعون إلى تخفيف الحمل عن أسرهم. وحركة الطباطبائي لم تعد مقتصرة على العمل الشبيه بالحالة التقليدية في القرى، والتي تلتف حول العائلة التي فقدت عزيزاً، إذ تحوّلت إلى مؤسسة نالت، في شباط 1989، علماً وخبراً من وزارة الداخلية تحت اسم «مؤسسة الشهيد الخيرية الاجتماعية».
يعمل في المؤسسة اليوم نحو 800 موظف ومتطوع، ولها مركز رئيس في الضاحية الجنوبية لبيروت، و4 مراكز تتوزع بين بيروت والبقاع والجنوب، وتهتم بنحو 5 آلاف شخص، هم أفراد أسر شهداء حزب الله، وأسر عدد من المدنيين الذي سقطوا في عدوان تموز 2006.
المؤسسة تكاد تقصر عملها على المقاومين من شهداء الحزب. ويبرر مسؤولها الإعلامي محمد الحسيني ذلك بالقول إن لكل واحد من الأحزاب المقاومة مؤسساته الخاصة التي تهتم بأسره. والقيام بالحمل دفعة واحدة يحتاج إلى جهد رسمي على الدولة أن تتولاه. وبغياب الدولة، يبدأ عمل المؤسسة من لحظة تبلّغ العائلة نبأ استشهاد ابنها أو الزوج والأب. وتتدرج مسؤولياتها من «احتضان» الأسرة بعد تلقّيها خبر الاستشهاد، وصولاً إلى توفير تعليم أبناء الشهيد وكفالة ذلك إلى حين إنهائهم دراستهم الجامعية، مروراً بتوفير المسكن والضمان الصحي الكامل، فضلاً عن تخصيص راتب شهري للأسرة التي فقدت معيلها.
في بداية عملها، كانت معظم أموال المؤسسة إيرانية المصدر، قبل أن يقتصر الدور الإيراني على مساهمة جزئية في موازنة المؤسسة، بحسب الحسيني. ويلفت إلى أن المصدر الرئيسي للأموال يأتي حالياً من التبرعات، سواء عبر برنامج تكفّل أبناء الشهداء، أو من خلال برنامج دعم التعليم الجامعي. وفي العام الدراسي الفائت، تخرّج من الجامعات 130 من بنات الشهداء وأبنائهم. وإضافة إلى الرعاية الحياتية، تعمل المؤسسة، عبر اختصاصيين اجتماعيين ونفسيين، من أجل مساعدة أبناء الشهداء على تخطّي الصعوبات الناتجة من فقدان آبائهم.
وقد أنشأت المؤسسة مستشفى الرسول الأعظم في الضاحية الجنوبية لبيروت، قبل تأسيس معهدي العلوم الصحية والتقنية. ويُعدّ هذا المستشفى أكبر مركز صحي في الضاحية، وخاصة بعد انطلاق العمل في المستشفى التخصصي (مركز بيروت للقلب) منتصف عام 2008. ويقدم المركزان الخدمات الصحية مجاناً لأسر الشهداء، إضافة إلى فئة كبرى من المواطنين.
وبعد عدوان تموز 2006، واجهت المؤسسة تحديين كبيرين. تمثل الأول في تدمير كلّ مراكزها، في الضاحية (اثنان) والنبطية وصور وبعلبك. سريعاً، أنشئت مراكز جديدة لمواكبة العمل الذي أضيف إليه تحد ثانٍ. فإضافة إلى الشهداء المقاومين، قررت المؤسسة توسيع نطاق عملها ليشمل أسر الشهداء المدنيين، وخصوصاً العائلات التي فقدت معيلها في حرب تموز 2006. إلا أن بعض تلك الأسر رفض، بحسب الحسيني، تلقّي أيّ مساعدة مالية من المؤسسة. بعضها لأن مؤسسات أخرى (اجتماعية أو سياسية) حملت ذلك على عاتقها، أو لأن هذه العائلات ترى أن غيرها أولى بالحصول على دعم المؤسسة. لكنّ هذا التصرف لا يقتصر على أهل الشهداء المدنيين. فبين أسر بعض شهداء المقاومة من فعل ذلك أيضاً. على سبيل المثال، الشهيد أحمد عنيسي وابنه علي. لم يكونا من المتفرغين للعمل المقاوم. كان الأب يدير مؤسسة تجارية، وبعد اندلاع الحرب، انتقل مع ابنه إلى جبهة القتال في الجنوب حيث استشهدا. وقد رفضت العائلة تلقّي أيّ دعم من المؤسسة لأنّ ربّ الأسرة كفى عائلته حيّاً وشهيداً.