الضنية ــ عبد الكافي الصمد تُمضي سمر كرامي (موظفة) إجازتها الصيفية السنوية مع أفراد عائلتها في بلدة بقاعصفرين ــــ الضنية. تهرب كرامي، كما كثيرون من أبناء طرابلس، من حرّ المدينة إلى الجبل. «هنا الطقس ألطف والجو رواق»، كما تقول. وتلفت إلى أنّها ستبقى وعائلتها هنا طيلة شهر رمضان ما دامت المدارس والجامعات مقفلة خلال هذا الشهر». صعود أبناء عاصمة الشمال إلى الضنية خلال الصيف ليس طارئاً، فهذه المنطقة الريفية تعد تاريخياً المصيف الطبيعي لغالبية أهالي طرابلس، وخصوصاً الفقراء منهم ومتوسطي الحال، فضلاً عن المحافظين اجتماعياً، إما لقضاء عطلة نهاية الأسبوع فيها أو الصيف بكامله، وهو أمر بدا لافتاً هذه السنة، عندما هرب كثيرون من طرابلس من «موجة» حرّ أخلت شوارع المدينة في فترات بعد الظهر وأيام العطل من المارة على نحو غير مسبوق.
إلى ذلك، أدى تزايد إقبال الطرابلسيين على الضنية هذا الصيف، إلى جانب مصطافين من الميناء والمنية والقلمون، فضلاً عن بيارتة وخلجيين، إلى «ارتفاع كبير في إيجار الشقق في المنطقة». أو هذا، على الأقل، ما تقوله كرامي وتروي كيف أنّ إحدى صديقاتها حاولت أن تستأجر منزلاً صغيراً في بلدة مجاورة خلال شهر رمضان فقط فطلب صاحبه ألف دولار أميركي، وهو مبلغ كبير بالنسبة إليها، لذا راحت تبحث عن بديل بسعر أقل في مناطق أخرى.
ومع أنّ كرامي «مرتاحة» لأجواء الضنية، فهي لا تخفي شكواها من عدم توافر الخدمات المطلوبة في البلدة. وهنا، يوضح المدرّس خالد طبيخ أننا «نشتري أغلب احتياجاتنا من طرابلس حين نذهب إليها مع بداية كل أسبوع، أو نقصد البلدات المجاورة لهذه الغاية». «وحدها طبيعة المناخ تجعلنا نتمسك بالبقاء هنا»، يقول طبيخ الذي يتذمر من الملل القاتل، على حد تعبيره، فلا أماكن للهو والتسلية. هكذا، يؤكد أنّ دورة الحياة تتوقف في البلدة بعد الإفطار وأقصى ما يمكن أن «نفعله هو الكزدورة سيراً على الأقدام». لكنّ لرئيس بلدية بقاعصفرين منير كنج رأياً مختلفاً، إذ يؤكد أنّ «موسم الاصطياف هذه السنة أكثر من جيد، والدليل أنه لم تبق شقة لم تؤجر في البلدة، كما أن مصطافين من طرابلس ودول الخليج باتوا ضيوفاً دائمين عندنا كل سنة، وأعدادهم تتزايد عاماً بعد عام». وقد عمدت البلدية، بحسب كنج، إلى اتخاذ مجموعة إجراءات لإراحة المصطافين، منها إيجاد حل فوري لمشكلة مياه الشرب، إيلاء نظافة الشوارع والأحياء عناية خاصة، إعادة تأهيل الحديقة قرب جامع البلدة والاهتمام بالتشجير وتشجيع أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة على العمل من دون استيفاء أي رسوم منهم.
وفيما يؤكد كنج أنّ «إيجار الشقق لم يرتفع كثيراً، وإنْ كان لكل شقة سعرها وفق موقعها ومواصفاتها»، يشير إلى أن البلدية «لا تستطيع بإمكاناتها المتواضعة إطلاق مشاريع استثمارية وسياحية، لكنها تشجع قيامها، وهو ما تمثل في فتح مطاعم أبوابها هذا العام، وأخرى تستعد لذلك العام المقبل».


مصيف السياسيين

تحرص أغلب العائلات السياسية الطرابلسية تاريخياً على تمضية بعض أيام الصيف في الضنية، وهو ما دأبت عليه على سبيل المثال لا الحصر عائلة آل كرامي مثلاً منذ أواسط القرن الماضي، حيث عرفت الضنية بكونها مصيف رئيس الحكومة المغدور رشيد كرامي، إلى جانب أبناء عائلات برجوازية ومن وسط اجتماعي "مرتاح"، فضلاً عمن يتولى منصب مفتي طرابلس عادة والشمال. ولقد عمد هؤلاء طوال السنوات الماضية إلى شراء شقق أو أراض بنوا عليها بيوتاً وقصوراً لهم بمثابة مقرات صيفية، بدلاً من استئجار المنازل موسمياً، عدا عن تشييد بعض المقاولين من بينهم مجمّعات سكنية بهدف بيعها أو تأجيرها، ما جعل الامر يصل عند البعض منهم إلى وصف الضنية، وخصوصاً خلال سنوات الحرب الأهلية، بأنّها «العمق الاستراتيجي والجغرافي الطبيعي لطرابلس».