خالد صاغيةساد خلاف لدى صياغة البيان الوزاري بشأن بند المقاومة. وقد أبدى السيّد كارلوس إدّه ملاحظة نبيهة على الفصل هذه المرّة في البيان بين «الدولة» و«المقاومة»، بدلاً من الاكتفاء بالتعميم تحت اسم «لبنان». لكنّ هذا الفصل، وبعكس ما رأى إدّه، ليس اعترافاً فائضاً بـ«المقاومة»، بل دلالة على وجود فئة سياسيّة تسعى لإعطاء نفسها مشروعيّة من خلال رفع شعار «بناء الدولة». وليس صدفة أن يكون قادة التشدّد في هذا الأمر هم فؤاد السنيورة وفريقه داخل الحكومة، والنائب نسيب لحّود. فبعد الموت السريري لفريق 14 آذار، أمكن لكلٍّ من مكوّناتها أن تعود هانئة إلى زعامة الطائفة، وأن تعدّل في خطابها بما لا يتضارب ومصالح تلك الزعامة. المتشدّدون في النزاع بشأن بند المقاومة هم ذاك الصنف من السياسيين الذين لا مكان لهم على الساحة ما لم يبدوا تمايزاً، وإن طفيفاً، عن قيادات طوائفهم. رفع شعار «الدولة» هو ملاذهم الأخير، بعدما تأكّد الطابع الهزليّ للأمانة العامّة لحركتهم الآفلة.
وإذا كان الانتصار للدولة إضافةً إيجابيّة في بلاد تتناتشها الطوائف، فإنّ نقطة ضعف هذا المشروع تكمن في اقتصاره على رفع شعار الدولة في وجه المقاومة ليس إلا. فلم نسمع من أنصار مشروع الدولة كلمة واحدة عن حق الدولة في وجه أمراء الطوائف. لم نسمع كلمة واحدة عن حقّ الدولة في وجه الاحتكارات والكارتيلات التي تتحكّم بالسوق. لم نسمع كلمة واحدة عن حق الدولة الرازحة تحت ديونها لأصحاب المصارف وكبار المودعين. لم نسمع كلمة واحدة عن انتصار الكفاءة على المحسوبيات...
لكنّ ازدواجيّة المعايير ليست وحدها ما يجعل مشروع الدولة ضعيفاً. إنّها أيضاً، قبل كلّ شيء، محاولة «تصنيم» الدولة والحديث عنها، كما لو أنّها جهاز معروف التشكيل والوظيفة. المواطنون في لبنان، حين تحدّثهم عن المقاومة، فإنّهم يعرفون عمّا تتحدّث. يعرفون الإيجابيات كما السلبيات: من تحرير الأرض والأسرى، إلى صدّ الاعتداءات، إلى استعدادها لنصرة المقاومة في فلسطين، إلى اقتصارها على حزب دون غيره، إلى علاقتها بطائفة دون سواها، إلى دعمها من إيران وسوريا... المواطن نفسه بحاجة إلى من يحدّثه عن الدولة. لكن لا حياة لمن تنادي!
حدِّثونا عن الدولة
- افتتاحيات
- خالد صاغية
- الإثنين 4 آب 2008