إيلي شلهوبإذا صدقت التسريبات الصادرة عن طهران في شأن بدء تسلمها منظومة الدفاع الصاروخية المعروفة باسم «أس 300» من روسيا، فهذا يعني انقلاباً في المعادلة الاستراتيجية العسكرية في المنطقة، لغير مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، يطيح أي احتمال لشن غارة جوية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. لكن دلالات خطوة كهذه تتجاوز في أبعادها واقعة تحصين سماء إيران أو برنامجها النووي، لتعكس جدية الرغبة الروسية في العودة إلى المنطقة، حيث يبدو واضحاً أنها تسعى إلى موطئ قدمٍ.
إشارات عودة كهذه تتوالى منذ أشهر، وأخذت أشكالاً متعددة، بينها تسريبات عن انتشار وشيك لقطع عسكرية روسية في المتوسط، ومخطط لاستعادة قاعدة طرطوس البحرية واتخاذها مقراً للأسطول الروسي، وأنباء عن صفقات تسلح حديثة روسية ـــــ سورية، يُضاف إليها تسريع موسكو بناء المفاعل الكهرو ذري في بوشهر، ولا تُسثنى منها الوعود الروسية بتزويد الجيش اللبناني أسلحة حديثة في مقدمتها 10 طائرات من طراز «ميغ 29».
حراك روسي لا يمكن مقاربته بمعزل عن الصراع القائم بين موسكو وواشنطن، مذ باشرت هذه الأخيرة اتخاذ خطوات استفزازية، بدأتها بدعم الثورات الملونة في القوقاز، وفاقمها عملها على توسيع حلف الأطلسي باتجاه الحدود الروسية، وتوجتها بمخطط بناء درع صاروخية في بولندا وتشيكيا.
لكن يبدو واضحاً أن الشعرة التي قصمت ظهر البعير كانت تلك العملية العسكرية الغبية التي شنها الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي في أوسيتيا الجنوبية، بدعم أميركي وإسرائيلي، والتي انتهزتها موسكو فرصة للانتفاض على محاولات واشنطن لتحجيمها ومحاصرتها بأحلاف عسكرية وأنظمة غير ودية.
صحيح أن المسؤولية في ذلك كله تقع على عاتق إدارة جورج بوش، لكن «التغيير» في البيت الأبيض لا يبدو أنه يؤثر على موقف موسكو. خطاب الرئيس ديمتري مدفيديف، غداة انتخابات الرئاسة الأميركية، أبلغ دليل على ذلك.
لا بد أن انخفاض أسعار النفط العالمية، مع ما يعنيه ذلك من تقلص الموارد المالية لروسيا وفقدانها لعنصر من عناصر قوتها، أدت دوراً في تسريع وتيرة الاختراق الروسي في المنطقة.
إنها الرغبة في مقارعة واشنطن ومعاقبة تل أبيب. رسالة لكل «معتدلي» المنطقة تقول: «تخبزون بالأفراح».