ريمون هنّودفي ظل المعارك السياسية وغير السياسية المتنقلة، التي تدور رحاها على أرض الميدان اللبناني بين شباطيين وآذاريين، وفي خضمّ أعنف حملات التجييش والشحن الغرائزي والطائفي والمذهبي والفئوي والقبائلي والعشائري التي تطال شظاياه القاتلة ولظاه الحارقة كل زواريب الوطن وأزقته، من المؤكد أن الفئة الأكثر تضرراً جرّاء ذلك الشيء النكد، هي الفئة الرازحة تحت خط الفقر، وخاصة أن تلك الفئة هي التي تستعمل حطباً يوقد الغرائز ومتراساً يحتمي به مَن نصّبوا أنفسهم أمراء على الشعب المسكين، مستغلين أنين الأمهات الثكالى ودموع الأطفال الطاهرة البريئة.
لكن الأسئلة التي تطرح نفسها هي: إلى متى ستبقى رازحاً أيها الكادح الفقير تحت نير أوامر مَن يحرقون غابةً ليشعلوا سيجارة؟ إلى متى ستبقى بمثابة منشّط لمَن يستغلك باسم الدين ليبني عرشه ويحصّنه وأنت غير قادر على الظفر برغيفك اليومي؟
ألم تدرك بعد يا مسكين أنت وعيالك الجائعة، الخائرة، الواهنة، المنهكة، التائهة، الحائرة، أن أمراء الطوائف لم يعودوا ليجدوا مكاناً فارغاً يكدّسون فيه أموالهم سواءً تلك التي يغدقها عليهم طغاة وسماسرة الإمبريالية، أو تلك «المنهوبة» من طريق الإثراء غير المشروع؟
يحق لك يا حبيب العمر أن تسألهم كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية: من أين لكم هذا؟ ألم تدرك بعد يا فقير، يا مسكين، يا أيها المفعول به المكسور المجرور أنك أمسيتَ السلعة الضحية في بورصة المساومات الإقليمية والدولية؟ ألم يحن الوقت لكي تدرك ضرورة عملك وكفاحك لأجل عدالة اجتماعية وكفاءة ونزاهة وتحطيم كل الشعارات الطبقية الاستعلائية الاستكبارية التي تبدأ بـ«فلان بسمنة وفلان بزيت، أو بشعير، مروراً بذلك المُعتبَر ابن ستّ وتلك المصنّفة بنت جارية وصولاً إلى المرتشي الفاسد المصنّف عند الأمراء من درجة بريمو والآدمي الخلوق المصنّف من درجة تارسو»!. إضافة إلى بدعة وهرطقة الطائفيين المذهبيين القائلة: «يا بتصير منّا، يا بترحل عنّا؟».
ألم يحن الوقت لكي تدرك أنهم «خلّوك تصير على الحديدة» وخيراتك المجنيّة من عرق الجبين باتت على طاولات الميسر في الكازينوهات الوطنية العلنية والسرية أو في كازينوهات الصهيونية في لاس فيغاس، وفي جيوب بنات الهوى في الشقق المفروشة؟ إلى متى يا رفيقي، أيها المُغرّر بك والمياه تجري من تحت أقدامك وأنت لا تشعر، ستبقى عبداً لمصالح الطائفة والمذهب؟ ألم يحن الوقت لتنتفض وتضحي بنّاءً لوطن عربي علماني ديموقراطي ولأمة عربية، تشرّفنا أن نكون جميعاً في أحضانها؟ إلى متى يا فقير يا مسكين ستبقى متغاضياً عن حرمانك من حق التعلُّم واكتساب المعرفة مجاناً لأولادك، والطبابة المجانية، وضمان الشيخوخة؟ وإلى متى ستبقى أسير الصمت إزاء البطالة والهجرة التهجيرية، تلك الهجرة التي لا ولن تعود بالنفع إلا على أوكار مصدّري الإرهاب في واشنطن وتل أبيب؟
ألم تسأم يا مسكين من استمرارك في الركوب في قطار الروتين المذهبي التحاصصي الفئوي الذي لا يجلب إلا عادات التخلّف والانعتاق، وآخرها قانون الستين البرلماني المشكّل لأقصى درجات الخيانة العظمى في حق الوطن؟ ألا تشتهي أن تبلع لقمتك، هذا إذا تسنّى لك الحصول عليها بهناء وسعادة؟ ألا تشتهي أن تشرب كأس الوطن المحرر من جميع القلاع المذهبية السرطانية النتنة؟
يا فقير، ألم يحن بعد موعد الثورة؟ لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، ماذا تنتظر؟ صدّقني فهي لا تولد إلا من رحم الأوجاع والأحزان. أنت فقير الجيبة، صحيح، ولكن كن غني العقل وانفض أدران الفئوية والعصبية عن جسدك، وهل هنالك أروع من غنى العقل؟