فايز فارسبصفتي مواطناً لبنانياً منذ عشر سنوات بعد المئة، أتساءل إذا كان يحق لي أن أفرح لما أرى وأسمع منذ أيام، لأنني مثل الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، أصبحت أخاف على نفسي من الفرح، بعدما اعتدنا على الأحزان منذ ثلاث وثلاثين سنة مضت. فقد أصبح للبنان واللبنانيين حكومة تجمع بين قديم نعرفه وجديد سنتعرّف إليه. أضداد أدركت أخيراً أن عليها أن تعيش معاً وتتعاون وتتضامن في ما بينها، من أجل الخروج نهائياً من حلبة صراع ديوك المصالح السياسيّة وغير السياسيّة التي قضت على الكثير من طاقات شعب أثبت أنه عنيد ومقاوم، وقدراته. وهدأت الأحوال في طرابلس والبقاع بعدما استعادت عين الحلوة مذاقها، على أمل أن يعود الصفاء والهدوء إلى فضاء بيروت وعكار. والوعد الصادق بتحرير الأسرى قائم عند أقدام المقاومة البطلة.
وجاءت المفاجأة الكبرى من باريس هذه المرّة: اجتماع رباعي واعد ضم إلى الرئيس الفرنسي، الرئيسين اللبناني والسوري والأمير القطري وبمباركة مصريّة حسنة النيّات والغايات. استمعنا إلى كلام واضح وصريح متناغم مع ما صدر عن مؤتمر الدوحة الشهير الذي جاء في حينه بمثابة إعلان عن إيقاف العمليات العسكرية. فهل يكون لقاء باريس إعلاناً عن هدنة دائمة مع العودة إلى حياة طبيعيّة يتوق إليها اللبنانيون، أقلّه منذ ثلاث سنوات؟
مرحباً بالوزراء العائدين الذين صمدوا خلال تلك المرحلة العصيبة الماضية ولم يسقطوا في أفخاخها المتشعبة. وأهلاً وسهلاً بالوزراء الجدد، من السيّدة البهيّة التي انتظرنا توزيرها طويلاً، إلى الحقوقي الأكاديمي الرصين إبرهيم النجّار، وانتهاءً بالشاب الواعد المحامي زياد بارود وزميله رجل الاتصالات والتواصل جبران باسيل... وذلك على سبيل المثال لا الحصر. اللبنانيون يا سادة يا كرام، يضعون أياديهم على قلوبهم متسائلين: هل سيتمكن وزير الداخلية زياد بارود من إتمام عمليتي التحضير لانتخاب مجلس نيابي جديد وإجرائها، بكل ما في الكلمة من معان؟ وهل سيتمكّن وزير العدل إبرهيم النجّار من تنفيذ ما وعد به في تصريحاته الأولى إلى وسائل الإعلام؟ وهل سيتمكّن جبران باسيل بداية من إلغاء بدل الاشتراك الشهري «25 دولاراً» من فاتورة خط الخلوي الثابت؟ وهل ستتمتع وزيرة التربية والتعليم السيّدة البهيّة بحريّة العمل السياسيّ، مع العلم بأن صدى خطابها يوم الرابع عشر من آذار 2005 ما زال يتررد منذ ذلك الحين في سماء ساحة الشهداء وكل لبنان؟ وهل سيتوافق وزراء المال والاقتصاد والعمل وأرباب العمل وأصحاب المال والأعمال والاتحادات النقابية على رفع الحد الأدنى للأجور، أقلّه من أجل الدخول في مصالحة وطنية بين الدولة ومواطنيها؟ وهل سيحظى اللبنانيون بدعم عربي أساسي يبدأ بتزويده بنفط مكرر نظيف، وبأسعار تقارب ما هو متداول في السوق الاستهلاكية لدول النفط الخليجية، وصولاً إلى إعادة تأهيل مصفاتي البداوي والزهراني وتشغيلهما؟ وهل سيتمكّن وزير الزراعة الياس سكاف من إقناع مجلس الوزراء العتيد بحاجة لبنان الملحّة إلى وضع خطة إنقاذ قطاع الزراعة، أقلّه من أجل تأمين الحد المعقول من الأمن الغذائي، وتحفيز حوالى نصف الشعب اللبناني على البقاء في مناطقهم بدل النزوح إلى المدن، وخاصة العاصمة بيروت؟ وهل سيتمكّن وزير الصحة العائد من الحصول على موازنة تسمح لوزارته بتغطية، أقلّه حالات الطوارئ لخمسين في المئة من شعب لا يملك سوى مد اليد طلباً للمساعدة العاجلة؟ وهل سيشعر المواطن بأن وحش الفساد لم يعد يعشّش في كل زاوية من زوايا الإدارات الرسمية، وبأن مؤسسات الجيش والأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، جميعها في خدمة المواطن أوّلاً وثانياً وثالثاً، وبأن عملية التحرير وورشة إعادة الإعمار وتطبيق الحكم الصالح هي مشاريع وطنية، تحتاج من أجل تحقيقها، إلى اتفاق كل أبناء هذا الوطن الصغير وتوافقهم ومشاركتهم وتضامنهم؟