حسين محمد حربدخلت الغرفة مسرعاً، وألقيت نظرة تحت السرير فلم أجده. بقيت أبحث عنه ولم أجده. نزلت الساحات، مشيت في الأسواق وعلى الطرقات ولم أجده. نزلت وسط البلد ومشيت طويلاً في أيام الاعتصام وبعد فكّه ولكني لم أجده. بحثت عنه في الأماكن المخصصة للسياح وأيضاً لم أجده. بحثت عنه في كل البلاد ولم أجده.
حقاً تعبت من البحث. تعبت من البحث عن لبناني أنا، هو الكبير ولكني لم أجده، أهو صغير بذاك الحجم؟ أم أنه فعلاً كبير كما أقول؟ فأنا أبحث عن وطني لبنان. وهل يضيع الوطن في هذا الزمان، ولماذا؟
وإذا ضاع الوطن فما بال ساكنيه؟ أنا أبحث عن لبناني الكبير، الجميل، نعم، ذي الأنغام الرنانة والكلمات اللطيفة. لبناني جامع لكل الرفاق من كل الأديان، لبناني للجميع من صغيره إلى كبيره ومن مثقفيه الى أمّييه ومن سياسيّيه إلى سارقيه ومن أغنيائه إلى فقرائه. لبناني ليس المدمَّر بل هو العنفوان والشرف، وهو الفرح والسهر والحرية. لبناني متواضع وشامخ، كلّه للسياح والأغنياء فلا مناطق معدومة فيه ولا أخرى فاحشة الثراء.
كهرباؤه لا تنقطع وماؤه لا يضيع. هواؤه ملكه نقي كنقاوة الندى الذي يغطي كل وروده عند الضحى. لبناني صلاح وتوافق، لبناني استثمار وبناء وزرع وعطاء، لبناني يجمع الكلمة ولا يفرقه الأعداء. خيراته لأبنائه وحضنه واسع ودافئ وجامع لكل محبّ، لا نستقبل فيه الطامعين والأشرار. لبناني حنون وقلبه كبير وقلبه بيروت ولا أجمل من بيروت، عروس الشرق وعزة العرب، مدينة الحب والالتقاء، شوارعها أنيسة وأحياؤها تضحية ومقاومة ومن دروبها تصنع الكرامة...
هذا هو لبناني الذي أبحث عنه. هذا هو موطني الذي أبحث عنه. هذا هو ملاذي لكي لا يكون غربتي. ليس ما أنا فيه لبنان الذي أتمناه، حزين يغشاه الإبهام والترقب والترصد، الخوف مسكنه الحزن مقامه. الغضب وجهته والحرية فيه في ظلمة الأسر تبعد عنها كل ظلم. تعالوا أيها الشباب وأيها الرجال وأنتم يا نساء، وجميعكم يا أطفال لبنان.
تعالوا لنبني لبنان آخر، ققد حلمنا به من الصغر. تعالوا نضع الأسس لنبني. تعالوا نجد لبناننا وننعم به، لقد طال البعد عنه وطال الانتظار ولن يكون الوطن دون عمل. فأنتم يا شباب لبنان دافعوا عنه وطوّروه لنرفع راية التغيير مرة أخرى ولنبدأ من أنفسنا. وأنتم يا رجال لبنان ارتقوا بلبنانكم إلى حيث الشمس وارتفعوا به. وأنتنّ يا نساء لبنان، ضعنَه في قلوبكنّ وأوقفن البكاء واجعلن من حنانكنّ ملاذاً له فهو طفلكنّ الرضيع والأب الكبير. أما أنتم يا أطفال لبنان، فتعالوا وشاهدوا لبناننا يكبر، واحلموا أنتم بأفضل للبنانكم ونحلم للبناننا.
هذا لبناني الذي أتمناه وذاك لبنان الذي جعلتموه... فأي لبنان تختارون؟