خضر حسانارتبطت مسألة ارتداء «الكوفية» بالهوية والثقافة والانتماء، وبات حملها مدخلاً للتعريف بهوية حاملها. فمن الدلالة على الهوية الفلسطينية، إلى الإنماء اليساري، الى الالتزام بقضايا النضال... حكايات رسمت بين خيطان الكوفيات بالأبيض والأسود. حكايات عُرفت في التظاهرات والاعتصامات والتحركات الرافضة لواقع الاستسلام والتآمر والتخلّي عن القضايا المطلبية، فأصبحت الكوفية حاضرة في مناسبات اليساريين، وبالطبع بعد مناسبات أصحاب القضية الفلسطينية، أي الفلسطينيين أنفسهم. حتى أصبحت رؤية الكوفية تعطي صبغة ممنوعة نسبياً أو ذات معالم خاصة، فإذا أشارت إلى الانتماء الفلسطيني نواجه تساؤلات سياسية واجتماعية، وإن أشارت إلى الانتماء اليساري نكون أمام اعتبارات سياسية داخلية لها علاقة بنظامنا السياسي، وفي الاحتمالين تبقى الكوفية محور الدلالة على الارتباط بالمبادئ النضالية.
أما اليوم، فبات بالإمكان ارتداء الكوفية من دون الخوف من الإشارة إلى انتماء فلسطيني أو يساري لأنها أصبحت جزءاً من «الموضة» وكأن فلسطين أصبحت عارضة أزياء مشهورة أو ماركة عالمية عالية الجودة. فهناك كوفيات بألوان عديدة لا تقف عند حدود الأبيض والأسود، وأصبح من يرتديها خارج التصنيفات السياسية، بحيث إنها لم تعد تعني سوى قطعة قماش للزينة فقط، ولم يعد يفترض بحاملها أن يكون ضليعاً بالعمل السياسي والمطلبي وأمور المقاومة. فحقيبة اليد النسائية اليوم مرافقة لكوفية تتناسب مع لونها وحجمها، كما أن أعناق الشابات والشبّان أصبحت تعانق كوفيات تتلاءم مع ألوان ثيابهم وزركشاتها المتنوعة بعدما كانت الكوفيات بألوانها الأساسية (بالأبيض والأسود) تتناسب مع كل الألوان لأنها لم تكن سوى للدلالات النضالية.
ولكن شاء القدر أن يحاول أصحاب «الموديلات» من روّاد العولمة تجريد الكوفية من قدسيّتها، وذلك في أن يتساوى حاملوها من المناضلين مع حامليها من الاستعراضيين. إلّا أن التحدّي والصراع يبقيان قائمين بين نهجين وفكرين، بين من يريد أن يحوّل الكوفية إلى سلعة تجارية وبين من يريد الحفاظ على التراث والفكر المقاوم وعلى الانتماء النضالي للكوفية الحقيقية.
أخيراً، بصوت آلاف الشهداء وآلاف المناضلين الذين كتبوا أسماءهم بين زوايا الكوفيات في زمن النضال أقول إنّ الهوية والانتماء لا يمكن إلغاؤهما بممارسات لا تعبّر سوى عن انحطاط ثقافي وفكري وإنساني.