عمر حميدتحية إليكم يا رفاقي في اليسار «الحديث». تحية من قلبي إلى قلوبكم، قلوبكم التي أعمتها اليمينية والانعزالية. تحيّة إليكم يا رفاق دربي في حركة اليسار الديموقراطي، تحيّة أستهلّها ببعض الأسئلة التي حيّرتني لفترة ليست ببعيدة.
أين الحركة؟ في الركود لأشهر من دون حراك. أين اليسارية؟ في عدم مناصرة أهل غزّة وأطفالها، وفي قبول اتفاق باريس 3 من دون تحفّظ.
أين الديموقراطية؟ في تخطي بعض الرفاق للهيئة الوطنية. لن أختبئ وراء إصبعي وأقول إن الحركة لا تزال مستمرة، فدور قطاع الطلاب اقتصر على العمل الاجتماعي، والسهر في شوارع «الحمرا»، كما أننا أعربنا عن فشلنا عندما ادّعينا الديموقراطية وانقسمنا داخلياً وبدأت موضة الشتائم تخيّم على مبادئنا، ليأتي من بعده العار الأكبر الذي أُجهِض بتكاتف بعض الرفاق والتهديد بالاستقالة الجماعية إذا ذهب أمين السّر إلى السفارة الأميركية في حرب تموز عندما تهافت حلفاؤه لتقبيل عرّابة تنين المتوسط، وأتت الفاجعة الأكبر المتمثّلة في خروج الياس عطا الله عن المسار اليساري العلماني، وانضوائه تحت لواء رجعيته الطائفية، فكان أحد أعضاء اجتماع مسيحيّي الرابع عشر من آذار، حيث تحول معها من يساري إلى ماروني، مهملاً معه كل الخطابات التي صمَّ آذاننا بها، فوقعنا كيساريين رهينة الضياع بين حلم الشهيد سمير قصير وخطوات عطا الله ومحسوبياته.
أين مارس اليسار يساريته في الأول من أيار العام الماضي في تظاهرة العمّال؟
أصبحنا اليوم يساريين برجوازيين؟
فهذا ليس مستبعداً عندما نكون حلفاء أو بالأحرى نتلقى التعليمات ممن كان البارحة جزّار الجبل وبيروت من جهة، ومدماكاً من مداميك المقاومة من جهة أخرى، فتخلّى عن القضية وأصبح مسالماً، ولو أنّ «المهاتما غاندي» ينتمي إلى طائفة الموحّدين الدروز لكنّا قد اعتقدنا أنّه تقمّص في شخصية وليد جنبلاط الجديدة «والخير لقدّام».
إذا كنتم تعتبرون أنفسكم يا رفاقي يساريين تقدميّين وبالطبع لستم مع الكفاح المسلّح، فماذا كان يفعل «أمين سرّكم» اليساري الماروني وحليف الإقطاعي الاشتراكي المسالم في شوارع مُموّله ـــــ قريطم ـــــ معتبراً نفسه في سنة 1987، متسكّعاً بدرعه وسلاحه مع مرافقيه الشخصيين، فأين الحضارة التي يتكلم عنها في ما يفعل؟
إذا كان الانتقال من اليسار إلى اليمين سهلاً، فمن الأسهل أيضاً التراجع عن المواقف عندما انتقلتم من اتهام رئيس الجمهورية ميشال سليمان عميلاً لسوريا بعد ادعائكم بأنه سمح لشاكر العبسي بالهروب، واليوم أصبحتم من المبايعين لفخامته رئيساً لجمهوريتنا.
فإن كنّا يساراً رجعياً أو يساراً تقدمياً فنحن صفرٌ إلى يسار وطن، فالقافلة تمشي يا رفاق دربي والكلاب تعوي، وملوك الطوائف هم قافلتكم ونحن تقلّص دورنا جرّاء خلافاتنا ومزايداتنا بعضنا على بعض بالعواء، ويا ليت لعوائنا منفعة.
اعذروني يا رفاقي في اليسار الحديث، ولكنني أستقيل من هذه الحركة بعدما أصبح «أمين سرّكُم» ناطقاً رسمياً مأجوراً لدى الفرسان الطائفيين الثلاثة، وأعلن أنني قد أصبحت يسارياً بلا حركة عندما أصبحتم حركة بلا يسار، فوقعنا ضحية بين اليسار اللفظي واليسار الفعلي، فأقنعكم باللفظ عندما باع الفعل وأحرق الحركة ليشعل سيجاره الكوبي الفاخر.