البقاع الغربي- أسامة القادري«مشغرة المقاومة والعيش المشترك»... هكذا تستقبلك البلدة لحظة دخولك إليها من تحت «قوس النصر» الذي ارتفع عالياً منذ أمد طويل. فالبلدة تعرف جيداً «تاريخ المقاومة» الذي لا يمكن لأحد أن يزوِّره أو يوجه إليه «قدحاً وذماً»، كما يقول سمير الذي يحفظ عن ظهر قلب تاريخ بلدته.
لم تكن مشغرة بعيدة عن المقاومة، فهي خبرت جيداً كيف يمتشق رجالها السلاح الموجه نحو الهدف الحقيقي والذي لا لبس فيه، وكيف ان نسوة «القمر» كنّ وما زلن يحملن «خبز» الروح والحياة إلى مقاومين احتضنتهم التلال.
أحد عشر يوماً مرّت على ما يسمى «وقف اطلاق النار» ومشغرة «تلملم» ما خلّفه العدوان الاسرائيلي على ارضها «المزنّرة» بالقمر وبساتين التفاح وكروم العنب والزيتون التي استوحى منها الفنان الراحل زكي ناصيف كل «مقطوعاته» الموسيقية.
لم تستطع آلة القتل الإسرائيلية قتل الحياة في مشغرة التي تعرّضت لأبشع وأعنف الغارات الجوية والصواريخ «الذكية». دمّرت الطائرات منزلاً لآل صادر، وقالت إسرائيل إنّها استهدفت موقعاً للمقاومة. لم يكن المنزل سوى «تعب» السنين و«عرق» الجبين. كدّ أديب صالح «عمراً» وهو يضع حجراً فوق حجر من أجل حياة أفضل له ولأسرته. يقول ابراهيم صادر، شقيق الشهيدين علي وحسن: «لم نعلم ان منزلنا سيكون هدفاً للطائرات، كل ما نعرفه أننا من مشغرة، وهنا ولدنا وعشنا وسنموت». ويقول مختار مشغرة ادمون شرارة: «كان الوضع صعباً جداً، بربرية اسرائيل لم ترحم، راح عندنا 7 شهداء مدنيين ولم يكن في الضيعة مقاومة ولا عناصر لحزب الله». تتحدّث فاطمة صادر، الناجية من المجزرة، بحزن وفخر عن أسرتها. تشير بيدها نحو المنزل المدمر: «هنا في هذه الزاوية قتل العدوّ أهلي، أمّي وأخواتي ونساءهم وخالتي وأعمامي، كلّهم استشهدوا محروقين تحت هذه الدمار، وتحت هذا السقف وجد والدي جريحاًيتحدث محمد محيدلي الذي كان «يلملم» ما تبقّى من أثاث تحت ركام منزله: «هنا كان منزلي، وهنا غرفة نومي، وفي هذه الزاوية أضع أحلامي...». كان الوضع في مشغرة خلال الأسبوع الأوّل من العدوان شبه طبيعي. استهدفت الطائرات الاسرائيلية منزل الحاج حيدر العنقوني، تغير الوضع فوراً... وانقلب المشهد. ولكن بقيت الحياة في مشغرة أقوى.
تشهد مشغرة اليوم هدوءاً بعد «عواصف» الطائرات الاسرائيلية. قطعت الصواريخ معظم الطرق، ولكن الحياة بدأت تعود الى طبيعتها تدريجاً. يقول محمد رضا، صاحب محل تجاري في القرية: «رجع الناس كلهم الى الضيعة... وبكرا راح نعمّر كل شي تدمر».