أنطوان سعد
الواضح في ذهن البعثات الديبلوماسية المعنية بالشأن اللبناني أن تنفيذ القرار 1701 قد وضع على السكة الصحيحة، وأن استكمال تنفيذه يتطلب مواكبة الحكومة اللبنانية ودعمها، وإلى حد ما الضغط عليها. ولعل أكثر ما يشغل الديبلوماسية الغربية حالياً هو معرفة المقدار الذي بإمكانها أن تضغط فيه على السلطة اللبنانية لدفعها بالتحديد إلى عدم تضييع فرصة نزع سلاح حزب الله في ظل ظرف يبدو لها سانحاً. وفي انتظار استكمال وصول القوات الدولية المنتظرة التي تتمتع بتسليح مدرّع لافت، تتابع الديبلوماسية الغربية إحاطتها للحكومة وبخاصة رئيسها فؤاد السنيورة الذي لم يحظ سلف له بمثل هذا الدعم من الدول الغربية والعربية في آن.
وفي إطار جولات السفراء الغربيين على قادة الرأي في لبنان، زار سفير دولة غربية قبل بضعة أيام مرجعية سياسية لبنانية مخضرمة للوقوف على رأيها من الأحداث والمستجدات، و“أخذ النصائح المفيدة» منها. وشرح السفير الغربي الخطوط العامة لسياسة دولته من أجل تطبيق القرارات الدولية وبخاصة نزع سلاح حزب الله، وأكد أن الأسرة الدولية من شرقها إلى غربها، مروراً بالصين التي لم تكن يوماً متعاونة حيال المسألة الشرق أوسطية كما هي اليوم، مصممة على الانتهاء من مشكلة سلاح حزب الله. ولم يستبعد هذا السفير التوصل إلى اتفاق على ذلك في وقت قريب ربما قبل نهاية العام الجاري. وأشار إلى أن التعاون الكبير الذي تبديه الدول العربية صاحبة التأثير المهم على الوضع اللبناني يسهّل كثيراً المسألة ويجعلها أقل تعقيداً. ولفت الديبلوماسي الغربي إلى أنه لم تتوافر يوماً بتاريخ الأزمة اللبنانية عناصر الحل كما هي متوافرة اليوم، مشدداً على أن لبنان مقبل حتماً على مرحلة استقرار سياسي وأمني متين، وازدهار اقتصادي واجتماعي كبير.
وقد سلّمت المرجعية السياسية اللبنانية المخضرمة للسفير المشار إليه بأن عناصر حل الأزمة اللبنانية متوافرة أكثر من أي وقت مضى، لكنها حذّرته من الإفراط في التفاؤل حيال سهولة تنفيذ القرارات الدولية، والانتهاء من سلاح حزب الله على وجه التحديد. فصحيح أن الثنائية الدولية انتهت وأن الدول العربية لم تعد أنظمتها شديدة الحساسية في التعاطي مع ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي كما كانت في السبعينيات ومطلع الثمانينيات، ولكن يجب التنبه إلى التأثير السوري على المخيمات الفلسطينية والتنظيمات المعارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية والتأثير الإيراني على حزب الله وقدرتهما التي لا تزال قائمة على جعل أرض لبنان رمالاً متحركة. فأجابه الديبلوماسي الغربي بأن بلاده وسائر الدول العربية والغربية المعنية بالشأن اللبناني تأخذ هذه المخاوف على محمل الجد وأنها مستعدة للإجابة عن كل طارئ بالقدر اللازم، معربة عن اعتقادها بأن محوري دمشق وطهران سيفكران كثيراً قبل الإقدام على أي مغامرة.
ودعت الشخصية السياسية المخضرمة السفير الغربي وكل الديبلوماسية الغربية والمرجعيات الدولية، إلى الحفاظ على نوع من الباطنية والكتمان في تعاطيها مع الحكومة اللبنانية، وخصوصاً في مجال حضّها على المضي قدماً في عملية تسوية قضية سلاح حزب الله. وقالت المرجعية المخضرمة: «المهم أن تعرفوا جيداً الحدود التي يجب أن تتعاطوا بها مع حكومة لبنان وأن لا تتجاوزوها، يجب ألا تحشروا الحكومة ورئيسها وألا تحرجوهما على الإطلاق. فهما في وضع دقيق للغاية وتحت المجهر في زمن الأصوليات المعادية للمجتمع الغربي على وجه الإجمال. لذا فإن الدعوات السافرة للحكومة للتحرك من أجل نزع سلاح حزب الله سيجعل موقع الحكومة ضعيفاً تجاه القواعد الشعبية الإسلامية.
في المقابل، على الحكومة “أن تلتزم وتصون الضرورات التي تفرضها التركيبة الطائفية اللبنانية الدقيقة، حرصاً على الوفاق الداخلي والعلاقات مع الدول العربية”. واقترحت إرسال إشارات إيجابية ومُطمئنة باتجاه حزب الله وسائر القوى المعارضة كي لا تعتبر نفسها مستهدفة في دورها ووجودها لتشجيعها على المبادرة إلى التجاوب مع مبدأ إعادة بناء الدولة اللبنانية والانخراط فيه جدياً.
ولاحظت المرجعية السياسية المخضرمة بارتياح كبير أن الديبلوماسي الغربي على اطلاع وافر على تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية وخلفياتها وعلى تركيبة المجتمع اللبناني المتشعبة. وقد اطمأنت إلى أن الأسرة الدولية المعنية بما يجري في لبنان تعرف الوضع اللبناني عن كثب، وتأخذ ضرورته ومقتضياته بالاعتبار.