طارق ترشيشي
تفيد بعض المصادر الواسعة الاطلاع بأن الخطة الاميركية الجديدة لمحاصرة المعارضة في لبنان تقتضي إعادة استيعاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون و«التيار الوطني الحر» الذي يتزعم، وفصله عن الكتلة الشيعية وحلفائها، بعدما فشلت الاتصالات والمديح في تحييد رئيس مجلس النواب نبيه بري عن حزب الله الذي يؤلّف العمود الفقري للمعارضة بكل تلاوينها السياسية والطائفية. ذلك أن الادارة الاميركية، وحلفاءها المحليين والدوليين، ترى أن التفاهم القائم بين حزب الله وعون قد أضفى على المعارضة طابعاً وطنياً غير طائفي وأبعد عنها الصبغة المذهبية، خصوصاً بعد انضمام احزاب علمانية اليها، منها الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني وقوى طوائفية أُخرى، مسيحية مثل تيار «المردة» بزعامة الوزير السابق سليمان فرنجية والكتلة الشعبية برئاسة النائب الياس سكاف، ودرزية عبر الوزير السابق طلال ارسلان و«حزبه الديموقراطي» والوزير السابق وئام وهاب و«تياره التوحيدي» والنائب السابق فيصل الداوود وحركته «النضال العربي»، فضلاً عن انضمام زعامات وشخصيات سُنية مستقلة ودينية، مما أبعد عن المعارضة تهمة المشروع المذهبي أو الإيراني في لبنان.
وفي اطار هذه الخطة الاميركية الهادفة الى تحييد عون، طلب القيمون عليها من المملكة العربية السعودية أن تفتح ابوابها أمامه، فكانت دعوتها له إلى زيارتها في الآونة الأخيرة (وهو سيلبيها خلال اليومين المقبلين) وذلك بغية «إغرائه» وإعطائه التطمينات والوعود بشأن مشاركة كتلته النيابية وتياره السياسي في الحكومة وصولاً الى رئاسة الجمهورية، في مقابل انفصاله عن «حزب الله» وحلفائه ليسهُل على واشنطن وحلفائها حصارهم وابتلاعهم مقدمة لمحاصرته وابتلاعه لاحقاً. وقد ترافقت هذه الدعوة السعودية لعون مع الإعادة المتكررة لسمفونية الاكثرية بأنها لا تمانع في تمثيل الكتلة العونية نواباً وتياراً في الحكومة، لكنها ترفض «الثلث المعطل» لتخاطب بذلك جمهور عون بـ«أننا لسنا ضد تمثيلكم في الحكومة بل ضد انحيازكم الى حزب الله وحلفائه». لكن عون الذي خبِرَ خلال العام الماضي الاكثرية وما فعلته به من تجاوز الموفدين الاوروبيين والاميركيين له مرات كثيرة، واستثنائه من لقاءاتهم في بيروت، وتغييبه عن المشاركة في الحكومة وصولاً الى تعطيل المجلس الدستوري وتغييره لكيلا ينظر في طعون نيابية قدمها تياره ويعتقد أنها ستُقبل لمصلحة بعض مرشحيه الذين خسروا في انتخابات 2005، يدرك أن كل ذلك حصل له قبل التفاهم الذي جرى بينه وبين حزب الله. ولذا فإنه مقتنع تماماً بأن المعركة التي تخوضها الاكثرية ضده ليس سببها تحالفه مع «حزب الله» وإلا لكان قد أخذ حصته في الحكومة وفي التعيينات الادارية.
ويعرف عون أيضاً، حسب المطلعين على موقفه، أن قصف الجسور في كسروان وجبيل وصولاً الى جسر المدفون في البترون خلال العدوان الاسرائيلي في تموز الماضي، كان لتأليب الرأي العام المسيحي عليه، وتهديده شخصياً في الوقت نفسه (بدليل اعتراف بعض القادة العسكريين الاسرائيليين أخيراً بأن قصف منزل عون في الرابية بقصد اغتياله كان ضمن بنك اهداف القصف الجوي الاسرائيلي، لكن صُرف النظر عنه في اللحظة الاخيرة). ولذا فإن اوساط عون تؤكد عدم انطلاء لعبة الاغراء والترغيب بعدما فشلت خطة الترهيب والإبعاد ،لأنه يعرف أنه بعد التخلص من «حزب الله» وحلفائه سيأتي دوره، لكنه على رغم ذلك سيلبّي الدعوة السعودية وغيرها ولن يقع في فخ فكّ التحالف بينه وبين «حزب الله» لأنه يدرك أن مصلحة لبنان ترتكز على التفاهم المسيحي الاسلامي في لحظة سياسية حاسمة على مستوى المنطقة والتي تشتعل فيها الحرب الطائفية والمذهبية، ولن يكون في منأى عنها إلاَّ من خلال أحزمة الأمان السياسية التي يمثّل التفاهم القائم بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر أحد مظاهرها، وإلاَّ تحوَّل المسيحيون في لبنان كبش محرقة لأي حل جديد يرتكز على اشارتين مهمتين وجّهتهما الادارة الاميركية في الآونة الاخيرة، الاولى تقرير الكونغرس عن أعداد ابناء الطوائف اللبنانية الذي يُظِهر المسيحيين أقلية، والثانية تبنّي الاكثرية فتح سفارة فلسطينية في لبنان مقدمة للتوطين لأن هذه السفارة إذا افتُتِحَت تحوِّل قانونياً اللاجئين الفلسطينيين الى رعايا عرب في لبنان يصبح لهم حق التعلُّم والتملك والاستثمار، فيتحقق التوطين عندئذ في شكل غير مباشر، وتنتسب عندها «الاقلية المسيحية» الى «نادي تجمع الأقليات»، ويُنسف اتفاق الطائف القائل بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين والمحرِّم للتوطين وللتقسيم.
ولذا، فإن عون، بحسب المطلعين على موقفه وثوابته، لن يقايض العصفور الموجود في يده بعشرات العصافير الموعودة على «شجرة الأكثرية».