بدأ يوم أمس طبيعياً عند الصباح في مدينة طرابلس (صفوح منجّد ونقولا طعمة)، وكان التجاوب مع الدعوة للإضراب خجولاً، فتوجه العديد من السكان إلى أعمالهم، ومن الطلاب إلى مدارسهم، وعاد العديد منهم بعد أن علموا أنّ مدارسهم مقفلة. ومع تقدّم ساعات النهار، بدأت أرتال من السيارات المناصرة للرئيس عمر كرامي تجوب الشوارع تأييداً للمعارضة، وقامت مجموعات صغيرة من مجلس القيادة في حركة التوحيد الإسلامي (منقارة) باعتصامات متفرقة في عدد من الأحياء والشوارع. وعمدت مجموعة إلى قطع طريق نهر أبو علي صباحاً بالإطارات المشتعلة. ووقعت بعض الاستفزازات بين تيّار المستقبل ومجموعات من قوى المعارضة، تركّزت على امتداد البولفار الذي يخترق المدينة من الشمال إلى الجنوب. وأدى التوتر الشديد الذي ساد أجواء خطوط التماس السابقة بين منطقتي الصراع، باب التبانة وبعل محسن، خلال النهار إلى حصول اشتباكات بين المنطقتين في الطلعة المعروفة بطلعة العمري. وبدأ الحادث بحسب شهود عيان عندما كان حشد من أنصار تيار المستقبل محتشداً في شارع سوريا الفاصل بين المنطقتين، فأقدم أحد المسلّحين في بعل محسن على إلقاء قنبلتين يدويتين باتجاه التجمّع، أعقبهما برشقات نارية من سلاح حربي، فقتل شخصان من المحتشدين، وأصيب ثمانية آخرون بجروح، ونقلوا على إثرها إلى المستشفى الإسلامي. القتيلان هما: خالد أحمد خالد وبلال الحايك. وأقدم عدد من الأشخاص من باب التبانة على حرق مخازن ومحلاّت لأبناء الطائفة العلويّة في شارع عبد الحميد كرامي، مع ظهور مسلّح كثيف ينذر بتوتّر الأجواء، وعودة الأحداث إلى سابق عهدها أواسط الثمانينيات.ووصلت زغرتا ــ الزاوية ( فيرا يمين) ليلها بنهارها، فمن مواكب سيارة طوال الليل، إلى تجمع الآلاف من تيار المردة وما كادت الساعة تصل إلى الخامسة حتى كانت معظم الطرق مقفلة. ومن زغرتا توجه الآلاف إلى الكورة وإلى البترون حيث التقى المردة مع مختلف الحلفاء. وفي ساعات النهار، الشوارع خالية، الاّ من الذين ينتقلون سيراً على الأقدام من «موقدة إلى أخرى». فيما سُجّل إقفال تام للمحال التجارية التي خُتمت بملصقات «المعارضة بالأرقام»، كما أقفلت المدارس الرسمية والخاصة والمصارف أبوابها.
وعلى أوتوستراد البترون (ريتا شاهين) الذي أقفله تيارا المردة والوطني الحر بالإطارات والسيارات والأجساد، حاولت جرافة اقتحام المعتصمين يقودها الدركي سركيس باخوس بلباسه المدني فجرح سيدتين، وكاد يسبب مقتل المئات لولا الردم الذي حال دون تسهيل مهمتها، إضافة إلى مقاومة المعتصمين. وسارعت قوى الأمن الداخلي إلى «نفض طوقها»، فيما سارع الجيش اللبناني إلى سحب الجاني، ووعد بتسليمه إلى الأجهزة الأمنية تخفيفاً لحالة الغضب. وبعد الجرافة، وصل صهريج محاولاً اقتحام المعتصمين، ويقوده قواتي من بلدة كور. غير أن التصدي له من الأهالي الذين ركنوا شاحنات محملة بالطحين على جانبي الطريق أجبره على التراجع من غير تحقيق مهمته. وعند الرابعة والنصف، فوجئ المعتصمون عندما تقدمت عناصر تابعة للقوات اللبنانية مسلحة وصعدوا من خلال طريق فرعية يتم النفاذ منها باتجاه الأتوستراد الرئيسي للبترون، وأطلقوا عيارات نارية باتجاه المعتصمين، وأدت الحادثة إلى مقتل الشاب رياض أبي خطار في جبلا وجرح كل من ماريو أبي فاضل، نبيل شلالا، جورج فارس ولبنان الحسيني ونقلوا جميعاً إلى مستشفى البترون وحالتهم مستقرة جميعاً. في الخامسة مساءً، فكّت الحواجز المعارضة، وفتحت الطرقات. وانسجاماً مع قرار المعارضة انسحب تيار المردة من مختلف النقاط الذي انتشر فيها في زغرتا ــ الزاوية، والشمال ولو أن النهار وبفعل اعتداء من قبل عناصر اللبنانية لم ينته على خير، إذ تسللوا إلى موقع المتظاهرين في البترون، واعتدوا عليهم بالضرب بالعصي، وتطور الوضع إلى اشتباك جرى فيه تبادل لإطلاق النار، ما أدى إلى وقوع إصابات في غياب للقوى الأمنية.
وفي الضنّية (عبد الكافي الصمد) بدا الشلل واضحاً في المنطقة، وكانت حركة السير على الطرقات الرئيسية خجولة للغاية، وفضّل القسم الأكبر من المواطنين عدم الذهاب إلى أعمالهم. وقام المتظاهرون بإشعال النار في إطارات السيارات عند مدخل بلدتي كفرحبو وبخعون، ما أدى إلى قطع الطريق الرئيسية بعض الوقت. إلا أن التطور الأبرز في هذا المجال كان في بلدة مرياطة، حيث عمد مناصرو الرئيس عمر كرامي والوزير السابق سليمان فرنجية إلى قطع الطريق الرئيسية التي تربط بين طرابلس والضنّية، ابتداء من الساعة السادسة صباحاً، فقاموا بإشعال النار في إطارات السيارات، ووضعوا حجارة وسيارات وسط الطريق، ما أجبر المواطنين على سلوك الطرقات الفرعية.
وفي المنية (نزيه الصديق) مرّ يوم الإضراب بحد أدنى من الخسائر والتوتر، ولم تعكره سوى محاولات مناصرين لـ«تيار المستقبل» في البداوي اعتراض أنصار المعارضة والاحتكاك بهم، إضافة إلى سعي معارضين لقطع الطريق الدولية في المنطقة أكثر من مرة. غير أن الإشكال الأبرز وقع في بلدة البداوي، وعلى دفعتين متتاليتين، بعدما حاول بعض مناصري «تيار المستقبل» قطع الطريق على مسيرة لأنصار المعارضة، ورشق المشاركين فيها بالحجارة، فضلاً عن إطلاق الشتائم والسباب بحقهم، ما دفع القوى الأمنية التي كانت موجودة في المكان إلى فض الإشكال بين الطرفين، بعدما أدى الإشكال إلى إصابة ثلاثة شبان بجروح وتضرر خمس سيارات.
(الأخبار)