نيويورك ـ نزار عبود
دبلوماسيو مجلس الأمن: الحيثيات لا تبرّر اللجوء إلى الفصل السابع ولا حتى ضمن المادة 41

منذ صدور القرار 1559، واللبنانيون حائرون في العلاقة بين الحدث الأمني والقرار الدولي، أيهما يصنع الآخر. وبالتالي، يبدون خشيتهم من أن يصنع أحدهم حدثاً أكبر من كل ما سبق، من أجل إخراج قانون تاريخي يفرض المحكمة ذات الطابع الدولي بالسرعة نفسها التي اتخذت فيها القرارات السابقة. وذلك، لأن فرض قانون المحكمة بموجب الفصل السابع يحتاج الى جرائم بمستوى مئات الآلاف الذين قتلوا في البلقان خلال أشهر، أو بمستوى الإبادة الجماعية التي عرفتها هذه المنطقة... وإلا فإن لبنان سيكون استثناءً لعدم تأهّله لمحكمة «سبع نجوم» بالجرائم التي نفّذت حتى الآن.
وللوقوف على حيثيات الفصل السابع، بحثت «الأخبار» في أروقة الأمم المتحدة عن خبير يفتيها في شأن إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي التي لا يختلف لبناني من الموالاة أو المعارضة على ضرورتها، فلم تجد من يتحدث إليها رسمياً بطريقة قانونية وعلمية، سواء من الدبلوماسيين أو الخبراء الذين رأوا أن الحيثيات المعلنة لا تبرّر اللجوء إلى الفصل السابع ولا حتى ضمن المادة (41).
فلكي يتمّ إقرار المحكمة الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس الراحل رفيق الحريري، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لا بدّ أن تقدم الدول الداعمة حججاً مقنعة بأن عدم الإقدام على ذلك سيمثّل تقصيراً من شأنه تهديد الأمن والسلم الدوليين. وليس هناك من يرى أن الوضع في لبنان يمثل تهديداً أمنياً بهذا الحجم. وإذا أرادت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة المضي بطلب من هذا النوع، فلا بدّ من أن تقنع الدول الأخرى بالتهديد الأمني من حيث أن لبنان بات مصدر خطر أمني دولي، سواء بالنسبة إلى المجتمع الدولي أو إلى طوائفه.
فلبنان لم يشنّ حرباً على أحد، ولا يعيش حرباً أهلية تتسمّ بالتطهير العرقي أو الإبادة الجماعية، بل نجح في تفادي حالات من هذا النوع رغم التعرض لأشرس حرب في التاريخ المعاصر، وبدا مستعصياً على الفتن المذهبية التي تهبّ في العراق وسواه.
لم يعرف العالم محاكم تقام بموجب الفصل السابع إلا في يوغوسلافيا ورواندا. ففي الأولى، أنشأ مجلس الأمن محكمة، بموجب القرار 827 في 25 أيار 1993، نتيجة ما وُصف بـ «الانزعاج الشديد من التقارير التي تحدثت عن تفشّي الخرق الفاضح للقوانين الإنسانية على أراضي ما كان يعرف بيوغوسلافيا، ولا سيما في البوسنة والهرسك، بما في ذلك التقارير عن القتل الجماعي، والاحتجاز الجماعي المنظم، واغتصاب النساء بالجملة، وعمليات التطهير العرقي...».
وفي رواندا، تأسّست المحكمة بموجب القرار 955 في 8 تشرين الثاني 1994، بناءً على «التقارير التي تشير إلى وقوع إبادة جماعية وغيرها من الخروق المنظمة الواسعة النطاق للقانون الإنساني».
وفي الحالتين، تصعب مقارنة الجرائم المليونية التي حدثت بين قبائل التوتسي والهوتو، أو المجازر بالآلاف التي وقعت في البوسنة والهرسك وكرواتيا وغيرهما بالجريمة التي حدثت في بيروت قبل عامين، وأودت بحياة الرئيس الحريري ومرافقيه، إذ إنها لم تؤدِّ فعلياً إلى حدوث جرائم جماعية أو تطهير عرقي أو جرائم اغتصاب وما شابه.
أما لبنان، فقد واجه زلزال جريمة اغتيال الرئيس الحريري بصلابة نادرة لا تشبه بأي شكل من الأشكال العديد من الجرائم الأخرى التي حدثت في تاريخه، كجريمة اغتيال الزعيم الراحل كمال جنبلاط وما تبعها من اجتياحات لقرى مسيحية في الجبل. أو اغتيال الرئيس بشير الجميل الذي أعقبه إبادة المئات بل الآلاف على الهوية من لبنانيين وفلسطينيين في صبرا وشاتيلا وخارجهما. ولذلك، فإن النسبية والتناسب لا تنطبق على هذا الموضوع، حتى عند مراعاة عدد السكان القليل في لبنان. فما هي الموجبات التي يراها الرئيس الفرنسي جاك شيراك وسفيره في الأمم المتحدة لفرض المحكمة وفق الفصل السابع، أي الفصل الذي ينطلق من الإجراءات السالبة كالمقاطعة والضغوط الدبلوماسية، ليصعد إلى شنّ هجمات عسكرية على الدولة المتمردة في أقصى الحدود؟
الفصل السابع يُستخدم عادةً «إذا وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاًً من أعمال العدوان. عندئذ، يقدّم المجلس في ذلك توصياته أو يقرّر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه». لكن بعد أن «يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، لا تخلّ بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، على مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه».
وإذا كان لبنان لا يندرج في خانة البلدان المبتلية بحرب أهلية وبمجازر وتطهير عرقي وإبادة جماعية، فإن القرار القاضي بالتدخل في شؤونه الداخلية على مستوى دولي جاء، حسب رأي أحد الخبراء في مجلس الأمن الدولي، في زمن ما بعد الحادي عشر من أيلول 2001، فـ«الجريمة صنّفت بالعمل الإرهابي بامتياز، ما يمنح مجلس الأمن صلاحيات محدّدة إذا كان يعتقد أن الفاعلين جزء من شبكة تعمل على مستوى وطني، دولي أو إقليمي»، مضيفاً: «لو كان تنظيم القاعدة، مثلاً، وراء هذه العملية المنظمة لأقصى حدود التنظيم، لما أخفى علاقته بها من باب التباهي بإنجاز كبير. وهناك شكّ حتى على هذا المستوى في هوية الجاني».
الوضع في لبنان، بما شهده منذ وقوع حادثة الاغتيال في شباط 2005، لا يدلّ على وجود تهديد للسلام العالمي، بالرغم من أن المجلس تعاطى مع هذه الجريمة كعمل إرهابي يحتاج إلى ردّ على المستوى الدولي، وهو يقدم المساعدة إلى الحكومة اللبنانية في التحقيق بكل الوسائل عن طريق لجنة التحقيق الدولية. لكن من أجل تصنيف الفاعلين الافتراضيين بأنهم ينتمون إلى جماعة إرهابية دولية خطرة تنطبق عليها قوانين دولية، لا بدّ أولاً من إصدار قرار من جانب قاض في المحكمة الموعودة، بناءً على نتائج التحقيق نفسها، إذ إن التصنيف هنا ليس من صلاحية المحقّق.
لذلك، كان من الصعب على أيّ من مندوبي مجلس الأمن الدولي تبرير الفصل السابع في فرض المحكمة ذات الطابع الدولي، وهم الذين كانوا قد أعلنوا في مناسبات عدة علنية وخاصة ما مفاده: «نريدها أن تُقرّ بإجماع اللبنانيين، بموجب الفصل السادس».
الا أن ذلك لم يمنع المندوب الفرنسي جان مارك دي لا سابليير في مجلس الأمن من القول، قبل أسبوع، بعصبية واضحة إن الفصل السابع «وارد، وقد يكون ضروريــــاً».
ويبدو أن اللجوء إلى هذا الفصل، في الوقت الراهن، بمثابة تهديد من الدول التي ساندت الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز الفائت، لقبول قانون المحكمة من دون مراجعة أو تعديل. فإذا نجحوا، ينتقل لبنان إلى فصل آخر من فصول المحنة. وإن لم يذعن اللبنانيون وتمسّكوا بمواقفهم، فإنهم لا بدّ من أن يتعرضوا لمجهول جديد، قد يكون بإيجاد مسوّغات لفرض المحكمة من دون قضاة أو حكّام، وبإرادة مجلس الأمن. علماً أن الدول التي تتمرّد على قرارات المجلس الصادرة تحت الفصل السابع، معرّضة للحرمان حتى من عضويتها في الجمعية العامة بتوصية من مجلس الأمن
نفسه.
وحيال إمكان أن يصبح كل شيء وارداً، في زمن تحوّل قوانين الطوارئ الى قواعد، رأى أحد السفراء في مجلس الأمن أن «هناك حدوداً لما تستطيع الدول الغربية الكبرى فرضه في المجلس»، بعد اضطرارها إلى تسجيل عدة تراجعات في القرارات الأخيرة ضد إيران، وفي البيانات الرئاسية الملطّفة إلى درجة انتزاع سمومها.