جمع جوزف سماحة، كالعادة، في ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيله حشداً من الأصدقاء والزملاء في كاتدرائية الروم الكاثوليك في بيروت، حيث أقيم ظهر أمس، قداس وجناز لراحة نفسه بالتزامن مع ما يعرف عند الطوائف المسيحية بـ«أحد القديس توما». وترأس الصلاة متروبوليت بيروت وجبيل وتوابعها للروم الكاثوليك المطران يوسف كلاس وعاونه النائب الأسقفي الأرشمندريت سليمان سمور والأب أندريه فرح ولفيف من الكهنة.حضر القداس الوزراء السابقون ميشال سماحة، ميشال إده وعصام نعمان، نقيب المحررين ملحم كرم، الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة، رئيس لجنة الإعلام في «التيار الوطني الحر» طوني نصر الله، ممثل «حزب الله» محمد عفيف، رئيس مجلس إدارة صحيفة «الأخبار» إبراهيم الأمين، ناشر صحيفة «السفير» طلال سلمان وحشد من الزملاء والشخصيات وعائلة الفقيد.
بعد الإنجيل المقدس ألقى المطران كلاس العظة، فرأى فيها أن جوزف «واحد من هؤلاء الذين تشككوا من بعض المظاهر أو المواقف، لأنه أعطى بسخاء وأحب بصدق، فراح ينتقد كل أوجه التعصب من أين أتت، ويرفض التشدد العقائدي، والتصلب المبدئي (...) رحمه الله، يسعى في ميدان الفكر والصحافة، يسعى إلى تربية ضمير المواطنين، إلى أي بلد انتموا». وأضاف: «وإن هو، في كثير من الحالات، لم يصدق ما يقال، كما فعل توما في مجابهة الرسل، ولأن الرب تنازل إلى مستوى تفكيره وتطلباته، فأخذ إصبعه وجعلها في موضع المسامير، وأخذ يده فوضعها في جنبه، أفهمه فهماً روحياً أن جراحات المسيح هي، حالياً جراحات الكثيرات والكثيرين من الناس، الذين يتألمون في قلوبهم وفي أجسادهم وفي كرامتهم. جراحات بني البشر، التي هي أيضاً جراحات المسيح، يمكننا رؤيتها من حولنا، وبواسطة وسائل الإعلام في العالم كله، إننا نشاهدها ونلمسها يومياً في أخبار إخوتنا، في لبنان وفلسطين والعراق، وكل الشرق الأدنى. هذه الجراح قد رآها جوزف بعين الإيمان، وسعى إلى بلسمتها بالكلمة المحقة، وإلى توجيه قادة البلدان في تفاصيل سياستهم، لكي يحسنوا تحقيقها، من أجل خير سائر الشعوب، لئلا يستحقوا تأنيب المسيح «هؤلاء يكرمونني بشفاههم، أما قلوبهم فبعيدة عني».
وتحدث كلاس عن ميزات جوزف الذي «عرف بإخلاصه لنفسه، فلم يكن مرائياً ولا مداهناً، ولا متزلفاً، ولا صاحب لسانين، وبإخلاصه الأمين لعائلته وبإخلاصه لمبادئه وقناعاته وللقيم التي آمن بها، ونذر نفسه في سبيلها: الحرية، ووحدة لبنان، ونضال الشعب الفلسطيني المحق، وكرامة الشعوب كانت ما كانت المساواة بين الناس، وانتهاج طريق التقدم والتحرر في العالم العربي، بعيداً عن كل استغلال أو عبودية. كل هذه أصبحت مسلمات يستنير بها قادة العالم العربي وثبتها هو بقلمه وعلمه».
وفي ختام القداس، تحدث الأب ميشال سبع، ومما قال: «لطالما أردت لغرفتك أن يكتنفها الضباب، بريق عينيك تحول إلى برق السماء، فصرنا نحن للشتاء كي نراه، صرنا نعاف الربيع كي نسمع همهمات الرعد في صوتك، وقلبك الساطع صار مزوداً كم من مسيح سيولد به من جديد».
وأضاف: «يسوع الفادي قام من بين الأموات، أنت لست بينهم، أنت لم تقم معهم، أنت قائم منذ مولدك، تبحث عن المجد المهيأ لك، لاقاك في منتصف طريق العمر، امتشقت القلم فهززت به سلطات وكراسي، من قال أيها الأحباء إن جوزف يمكنه أن يحقق أحلامه، لا، إنه فقط حقق بعض أحلام الناس، أما حلمه فأكبر من أن يسعه لبنان، لذا، أغمض لبنان عينيه عليه حتى يحين الوقت في الموعد الآتي». وخاطب سماحة قائلاً: «لطالما سخرت من رثاء الموتى، حق لك، نحن لا نرثي المائتين، نحن نتحدث مع الأحياء، لذا أخاطبك لأننا قياميون لا نؤمن إلا بالحياة. نقول لك: عدت إلينا بعد سفر، مرغماً، لا بأس، نحن نحتاجك أكثر مما تحتاجنا، أهلك، صحيفتك، أسرتك الكبيرة، نحن نحتاج إلى صوت الحق فيك، رؤية الجمال فيك، لمس الخير فيك، دفء الحنان بك، عدت إلينا وعزاؤنا أنك لن تتمكن أبداً من الرحيل عنا من جديد، فشركات الطيران علقت رحلاتها عنك، وصرت جزءاً من صلاتنا اليومية. أيها الناطق بالكفر الإيماني، أيها المبعثر الحروف لكلمات متجسدة، أيها الحارق لحاء الشجر عرائس فخر للصحافة، أيها المتبختر صحواً على عتبة السماء، كل فصح وأنت بخير، نحن نهتف المسيح قام، وأنت تجيب حقاً قام، نحن نخبر عنه، أما أنت فتلتقيه. إلى أن نلتقيك نقول لك باسم الدامعين إليك، أحببناك بالأمس، واليوم ما زلنا نحبك».
(الأخبار)