عرفات حجازي
لا شيء في الأفق ينبئ بإمكان تجدّد الحوار بين الفرقاء، فالأفق مسدود والفريقان المتنازعان أقفلا باب التفاوض، فلا الشراكة في القرار الوطني مقبولة من فريق الأكثرية الذي يعتبرها انتحاراً سياسياً، ولا نظام المحكمة بصيغته المعروضة يمكن أن يمر برأي المعارضة لأنه مثقل بالشبهات ومصاغ على قاعدة أحكام موجودة، ما يعني أن كل الأبواب باتت موصدة، فلا حوار ولا تشاور ولا تفاوض، والوضع مرشح لبلوغ محطات جديدة من التصعيد ومفتوحة على احتمالات غير مسبوقة من المخاطر.
وتبدي أوساط سياسية ودبلوماسية مخاوفها من انسداد قنوات الحوار، في وقت تقترب فيه البلاد من مدار الاستحقاق الرئاسي الذي سيشكل عنوان المعركة السياسية للمرحلة المقبلة بعدما خرجت المحكمة ذات الطابع الدولي من إطار التجاذبات المحلية كما خرجت حكومة الوحدة الوطنية من دائرة التفاوض. وترسم هذه الأوساط صورة قاتمة حيال مستقبل الوضع الداخلي بعد موجة السجالات العنيفة والاتهامات المتبادلة التي تزيد من توتر الأجواء والاحتقان المذهبي الذي يخشى أن تظهر تجلياته في اهتزازات أمنية سيكون من الصعب السيطرة عليها واحتواء مضاعفاتها في غياب شبكة أمان سياسية وتفاهمات داخلية تمنع الانهيارات وتحول دون وصول المواجهات إلى حدود خطيرة وتضع الوحدة السياسية للبلد في مهبّ المجهول.
وتعرب هذه الأوساط عن قناعتها بضرورة استعادة الحوار لأنه الوسيلة الفضلى لإدارة الخلافات وللإبقاء على الوضع القائم ممسوكاً وحمايته من التأثيرات والتدخلات الخارجية.
على أن المقلق في الوضع ظهر من خلال مواقف وتصريحات لأقطاب في المعارضة والموالاة تقاطعت عند اعتراف الطرفين بأن المشكلة في لبنان أبعد من موضوع محكمة وحكومة ورئاسة، بل هي صراع بين خيارين وخطين متعارضين حول هوية لبنان وموقعه في الصراع في المنطقة وعليها. والمقلق الأكثر في صورة المشهد السياسي استقالة المساعي العربية من مهمتها في رعاية الحوار وتوسيع مساحات التلاقي وتضييق مساحات الاختلاف بين الأطراف اللبنانية. مع ذلك يبقى الأمل الباقي هو قيام المملكة العربية السعودية بدور أكبر للخروج من الأزمة ومنع الأطراف من سلوك الخيارات الصعبة.
واستناداً إلى مصادر واسعة الاطلاع، فإن جهداً سعودياً - سورياً يجرى العمل على بلورته قريباً من خلال زيارة يعتزم أن يقوم بها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى دمشق لمناقشة الأزمة اللبنانية بكل مكوّناتها السياسية والدستورية. وبالانتظار علمت «الأخبار» أن سفير المملكة العربية السعودية الدكتور عبد العزيز خوجة يبذل جهوداً خلف الكواليس لكسر حلقة الجمود من باب عودة الحوار بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري لأنه الإمكان الوحيد المتاح كي لا يأخذ الوضع اللبناني انعطافة حادّة نحو المزيد من الانسداد. وانطلاقاً من هذا المعطى، توقعت مراجع سياسية مطّلعة ألا يتم اتخاذ أي خطوة في مجلس الأمن الدولي في شأن مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي قبل معرفة نتائج الاتصالات السعودية - السورية وقبل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى دمشق في الأسبوع الأخير من هذا الشهر.
ولفتت المراجع في هذا السياق إلى أن من الصعب رسم صورة دقيقة لمستقبل الأوضاع في لبنان من خلال التعقيدات المحلية بمعزل عن الأزمات الساخنة والتعقيدات التي تعيشها المنطقة. فليس أمراً بلا دلالات أن تعلن إيران دخولها النادي النووي، وليس أمراً عادياً أن تخرج القمة العربية في الرياض بقرارات تعيد للعرب الوزن والتوازن في علاقاتهم الإقليمية والدولية، كما أنه ليس من قبيل الصدفة أن ينعقد مؤتمر شرم الشيخ لدول جوار العراق مطلع الشهر المقبل حيث ستتضح الخيارات الأميركية في مقاربة أزمتها في العراق وأزمات المنطقة.
من هنا، فإن أزمة لبنان لا يمكن أن تكتمل صورتها قبل رؤية الخريطة التي ستتشكل للمنطقة نتيجة حسم الصراعات والأزمات التي تدور على ساحتها وعلى مستقبلها.