البدّاوي ـــ عبد الكافي الصمد
تفاعلت قضيّة المستوعبات الموجودة في محيط خزّانات النفط في مصفاة البدّاوي، وأثارت موجة من الشائعات أقلقت أهالي البدّاوي، ودفعت غالبيتهم إلى الامتناع عن استخدام مياه الآبار الجوفية التي يعتمدون عليها، خشية تعرضها للتلوث نتيجة تسرب محتويات المستوعبات إليها، وسط أصوات ارتفعت تحذّر من مغبّة تحويل المنطقة الى مكبّ للنفايات، وهي التي تعاني تلوثاً مزمناً يتزايد سنوياً.
ولم تفلح التوضيحات التي أعلنتها وزارة الطاقة والمياه في طمأنة الاهالي، برغم إشارتها إلى أنّ المستوعبات «تحتوي بقع النفط التي تمّت إزالتها من البحر، وعلى امتداد الشاطئ اللبناني، نتيجة تسربها من معمل الجيّة الحراري، الذي انفجرت خزانات الوقود فيه بفعل الغارات الإسرائيلية خلال عدوان تمّوز الماضي»، وأنّ هذه المستوعبات ستبقى في المنطقة "لمدة مؤقتة، تمهيداً لشحنها وإعادة تكريرها خارج لبنان».
وتزامنت تداعيات هذه القضية مع لغط كبير دار حول العدد الحقيقي للمستوعبات الموجودة في المنطقة؛ فإذا كانت تلك الموجودة في الهواء الطلق يبلغ عددها 32 مستوعباً، فإنّ صمتاً مريباً خيّم على الموضوع، في ظلّ عدم توافر أي معلومات رسمية عنه، أو صدور أي تأكيد أو نفي عن أي طرف، حاول دحض الشائعات التي تحدثت عن وجود مستوعبات أخرى بعيدة عن الانظار داخل المصفاة، أو عن طمر براميل للنفايات في أراض عامة أو خاصة خارجها!
رئيس البلدية ماجد غمراوي طالب في مؤتمر صحافي «بترحيل المستوعبات فوراً من حرم منطقة خزّانات النفط»، مستغرباً «الطريقة التي استحضرت فيها»، ولافتاً الى «حجم الرعب الذي أصاب أهالي البدّاوي جرّاء وجودها في المنطقة»، داعياً في موازاة ذلك وزارة البيئة إلى «وضع يدها على الملف، والكشف الفوري على المستوعبات، وتحديد الأخطار التي قد تنجم عنها».
وإذا كان غمراوي قد أوضح أنّه علم بوصول المستوعبات إلى المنطقة عن طريق مدير منشآت النفط في البدّاوي، الذي «أخبرني أنّها ستبقى في مكانها الحالي فترة لا تزيد على أربعة أشهر، مضى عليها شهران»، فإنّه أشار إلى إرساله أخيراً كتابين: الأول إلى وزارة البيئة، طلب فيه «الكشف على مستوعبات داخل حرم منشآت النفط في البدّاوي، لأنّ هناك رائحة كريهة تنبعث منها ليلاً، مثلما أفاد سكّان الجوار».
أمّا الكتاب الثاني الذي أرسله غمراوي إلى وزارة الطاقة والمياه، فطلب فيه إعطاء «توضيح واستفسار عن مستوعبات مريبة بدأت تتوافد إلى منشآت النفط، لا نعرف عنها شيئاً، سوى انبعاث رائحة غريبة منها ليلاً»، داعياً الوزارة المعنية إلى «ترحيل المستوعبات فوراً من المنطقة، قبل أن يستفحل الأمر ويخرج عن السيطرة».
وعلى الرغم من أنّ أي ردّ من الوزارتين على الكتابين لم يصدر بعد، سوى ما أشارت إليه مصادر مسؤولة في مصفاة البداوي لـ«الأخبار» من أنّ المستوعبات «تحتوي رملاً وبحصاً وتنَكاً ملوثاً بالفيول، لا يؤثر إطلاقاً على البيئة، أو من شأنه أنّ يلوّث مياه الآبار»، فإنّ الرئيس السابق لبلدية البداوي سعيد العويك شدّد على ضرورة «تحديد موعد رسمي ونهائي لترحيل المستوعبات من المنطقة».
وأشار العويك لـ«الأخبار» إلى أنّ توضيح وزير الطاقة والمياه بالوكالة محمد الصفدي بهذا الخصوص «غير كاف»، لافتاً إلى أنّ «موادّ سائلة بدأت تتسرب من المستوعبات»، وموضحاً أنّ «مسؤولين وموظفين في مصفاة البدّاوي عندما سئلوا من أعضاء حاليين في بلدية البداوي عن محتوى هذه المستوعبات، ردّوا عليهم بأنّها تحتوي معدّات تابعة لشركة قطرية آتية لإعادة تأهيل وتشغيل المصفاة!».
وإذ رأى العويك أنّ ما أثار الريبة أكثر هو «الإتيان بالمستوعبات إلى المنطقة ليلاً»، سأل: «لماذا تمّ اختيار البدّاوي دون غيرها لوضع هذه المستوعبات فيها، وهل يمكن تصديق وعود بعض المسؤولين بأنّهم سيرحّلون المستوعبات إلى الخارج، إذا كانوا قد أخفوا عنا حقيقة الأمر منذ بدايته؟»