راجانا حميّة
أفرطت «عاشقة الأطفال» الفرنسيّة كاترين داستي في إيمانها بأطفال «الخشبة»، فبعدما حلمت بهم «يكدّسون العلب ويعيدون خلق العالم كما يريدون»، خسرت رهانها الأكبر، وتوصّلت عقب سلسلة من التجارب «المفرحة والمؤلمة» إلى أنّ الأطفال «أشخاص يبعثون على الضجر وهم أبعد الناس عن الإبداع».
تشبه «عاشقة الأطفال» هذه، الكثيرين من «العشّاق» اللبنانيين الذين جهدوا في مراحل سابقة وما يزالون، لخلق مسارح خاصّة بالأطفال، مسارح يكون فيها الطفل الممثّل والمشاهد. إلّا أنّ معظم التجارب فشلت بسبب المزاج المتقلّب للممثّل «المعجزةورغم ذلك، لا يزال بعض «العشّاق» يحاولون الوصول إلى ابتكار «خشبة متينة» للأطفال، ويتّجهون منذ أربع سنوات لإعادة الحياة لها. وفي هذا الإطار، تطلق، اليوم، وزارة الثقافة «مهرجان المسرح المدرسي» في قصر الأونيسكو، على مدى أربعة أيّام يستعرض خلالها الأطفال ثلاث عشرة تجربة فنّية. تتوزّع التجارب على ثلاث فئات عمرية (أطفال وفتيان وطلّاب ثانويّة عامّة) وتتنوّع موضوعاتها بحسب الفئة العمرية التي تنتجها. ويدرج منسق النشاط المخرج علي فرحات المهرجان في إطار «إعادة الكيان الفنّي اللبناني السليم»، لافتاً إلى أنّ «بداية العودة تكون من المواهب الفتيّة الصغيرة».
غير أنّ تجارب هذه المواهب لم تخرج في معظمها من الوضع السياسي الحالي، رغم المحاولات الحثيثة لإدراجها في «الخانة الوطنيّة». ثمانية أعمال من أصل ثلاثة عشر ناقشت الوضع السياسي في البلد من ناحية «انتماءات الممثلين»، فتركّزت في معظمها على «الانقسام» سواء بالنسبة إلى الألوان أو الأفكار. وفيما استحوذت كلمة «الغريب» (التدخّل الخارجي) على اهتمام معظم الطلّاب، إلا أنّها اختلفت من فكرة إلى أخرى، فقد يكون الغريب سورياً في هذا العمل وأميركياً أو إسرائيلياً أو حتّى عربياً في أعمال أخرى.
ويفتتح المهرجان اليوم بأربعة عروض للأطفال عن «النظافة» و«المونديال اللبناني» و«أهميّة كل لون في الطبيعة» و«العودة إلى الفرح في القرية»، يليها غداً أربعة عروض للفتيان حول «دخول الغريب إلى القرية» و«الانهزام العربي أمام التدخّل الأميركي» و«النور ما بيخلص (عن الشهيد رفيق الحريري)». ويقدّم طلّاب الثانوي بعد غد الأربعاء ثلاثة عروض عن «الوضع الطائفي»، و«جنين يرفض الخروج من بطن أمّه لأسباب» و«الأم»، وعرضيْن الخميس المقبل عن «مسرحي وراء الكواليس» و«طايفة والله ينجّينا».
وفيما يبدي فرحات إيمانه بقدرة «أطفاله» على إنتاج مسرحهم الخاص، وإن كان سياسياً، يشكو من «فقدان الشهيّة» على الأعمال الفنيّة لدى المعنيين، عازياً السبب إلى نشأة هؤلاء «في إطار ضيّق عبر مسيرة حياتهم العلمية والتعليمية».
أمّا الناقد الفنّي والمسرحي عبيدو باشا، فلا يعترف بمسرح يكون روّاده الأطفال، لأنّه بكل بساطة لا يؤمن بأمزجتهم «فالطفل لا يقبل على التمثيل بناءً لطلب أحدهم، إنّما عندما يجد نفسه مهيّأً للخوض في التجربة». ويرى باشا أنّ «الطفل لم يكن يوماً مشاركاً في قرار النشاطات المسرحيّة أو العمليات الإبداعية مع صانع الأفكار». ويعلّق على بعض التجارب التي تجبر الطفل على التمثيل، مشبّهاً طلبهم «بالطلب من الحصان في السيرك رفع قدميه في الهواء، في الوقت الذي لا يرغب فيه بذلك». ولا يرى باشا ضرورة أن يكون للطفل دور في مسرحه، فقد يكتفي بالاستمتاع بالعمل، ويكسب أداة يتعرّف من خلالها على مسرحه ويَرجَع إليه في ما بعد تطوير علاقته بهذه الأدوات».
ولا يستثني باشا المسارح الأخرى من دائرة النقد، لافتاً إلى أنّ «الحياة الثقافية، سواء بالنسبة إلى مسرح الأطفال أو المسرح بشكل عام، انهارت في لبنان منذ الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، والذي كان من تبعاته تقسيم المنطقة طائفياً ومذهبياً».