غسان سعود
طائفة تحتكر الحكم ورئيس الدولة تحوّل من «سلطان» إلى «ساعي بريد»

وسط احتدام النقاش في استحقاق الانتخابات الرئاسية، يثار في الكواليس موضوع صلاحيات الرؤساء الثلاثة وأدوارهم وتأثيرها في الحياة الدستورية.
واستناداً إلى ذلك، تتساءل الأوساط السياسية عن مصير العدالة التوافقية والمساواة بين المواطنين على صعيد السلطة الإجرائية، في ظل معادلة تنص على أن استقالة ممثلي الطائفة الشيعية أو المسيحية أو الدرزية من الحكومة لا تفرض استقالة الحكومة. أما استقالة وزراء الطائفة السنية فتؤدي حكماً إلى استقالة الحكومة لأن رئيسها يعتبر واحداً من هؤلاء، واستقالته، وفقاً للدستور، تفرض استقالة الحكومة، الأمر الذي يعطي الطائفة السنية امتيازاً على الطوائف الأخرى، وقوة ضغط، وما يشبه احتكار طائفة واحدة القدرة على التحكم بمصير الحكومة.
ويأتي هذا الطرح بحسب أحد الخبراء القانونيين، ليعزز المنطق القائل بأن الطائف وبحكم العرف الطائفي عرّى ممثلي الطائفتين المسيحية والشيعية من صلاحياتهما لمصلحة الطائفة السنية. لذا، يدعو المرجع القانوني الماروني القيادات المسيحية «المتدافعة اليوم للمزايدة على بعضها بعضاً في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية وتحديد مواصفاته إلى وضع خطة عملية للمطالبة بمعالجة الغبن اللاحق بالرئاسة الأولى». ويقول: «إن مجرد المقارنة بين صلاحيات رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية تظهر ما يشبه الاستهزاء بالمسيحيين، إذ إن الأول بحكم الطائف، «يتكلم باسم السلطة الإجرائية ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء. (...) يجري الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تأليفها، كما يوقّع مع رئيس الجمهورية جميع المراسيم، ومرسوم الدعوة إلى فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي ومراسيم إصدار القوانين وطلب إعادة النظر فيها، ويدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد ويضع جدول أعماله، ويتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة وينسّق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل». وفي المقابل، لا يحق لرئيس الجمهورية التصويت في مجلس الوزراء، وهو ألزم بالاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة. وتكاد تنحصر صلاحياته في قبول اعتماد السفراء ورئاسة الحفلات الرسمية ومنح أوسمة الدولة، والعفو الخاص.
ويرى المرجع أن النظام التوافقي «يفرض إذا أرادوا الإبقاء على صورية رئاسة الجمهورية أن تكون رئاسة الحكومة مماثلة. وتعطى صلاحيات الحكم الإجرائية لمجلس الوزراء الذي يفترض عندها أن يضم ممثلين حقيقيين لطوائفهم أو أعضاء منتخبين على أساس الكفاءة»، موضحاً أن الطائف كرّس «التوافقية» من دون ذكر الخطوات العملية التي تضمن التمثيل الصحيح للطوائف. ويسأل عن «منفعة المسيحيين من حصتهم في التمثيل الحكومي ووزراؤهم المفترضون أتباع زعيم من طائفة أخرى، الأمر الذي يؤثر سلباً حتى على صعيد أخذ القرارات بالإجماع المعمول به اليوم في مجلس الوزراء».
من جهته، يرى الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي يوسف سعد الله الخوري أن الدستور اللبناني يحتاج إلى سلّة تعديلات، وخصوصاً في ما يتعلق برئاسة الجمهورية بصفته رمز الوطن. ويسأل «المتبجحين بنقل الدستور اللبناني عن الدستور الفرنسي، كيف تعطى هناك للرئيس صلاحيات تنفيذية ويحرم هنا منها». ويأسف «لانتهاك الفريق الحاكم اليوم كل ما بقي من صلاحيات لرئيس الجمهورية حتى تلك الواردة في المادة 52 من الدستور والتي تحصر به وحده، وبالاتفاق مع رئيس الحكومة، المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها».
ويؤكد الخوري أن رئيس الجمهورية حُوّل في اتفاق الطائف إلى ما يشبه «ساعي بريد في مركز بروتوكولي». ويسأل: «بأيّ حق قرروا في الطائف إلزام رئيس الجمهورية وحده دون غيره من الرؤساء التوقيع على القوانين خلال مهل محددة وإلا اعتبارها نافذة. إضافة إلى حرمانه من حقه في حل مجلس النواب، الذي تكرسه معظم دساتير العالم».
وينبغي، بحسب الخوري، على المسيحيين ان يأخذوا كل هذه النقاط في الاعتبار ليسعوا جاهدين إلى وصول رئيس قوي يسعى الى تعديل الدستور بشكل يؤمن التوازن بين السلطات. كما يفترض، بحسب الخوري، مناقشة المواد المبهمة في الدستور، والتي يتسبب عدم وضوحها في نشوء أزمات بين السلطات.
وبالعودة إلى السؤال الأول، يقول الخوري إن هذا الأمر «يزكّي منطق المطالبة بإعادة النظر في توزيع المسؤوليات على الرؤساء الثلاثة، وخصوصاً أن النظام اللبناني يقوم أساساً على مبدأ التوازن ومشاركة جميع الطوائف، ما يفترض أخذ اعتراض ممثلي أي طائفة على أمر ما بالجدية المطلوبة».
وعن أسباب تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في اتفاق الطائف، يرى المرجع القانوني أن «المجموعة التي التقت في السعودية كانت ترى أن المشكلة الرئيسية هي في ظهور رئيس الجمهورية اللبناني كملك أو سلطان. فانحصر همّ المجتمعين في تجريد الرئاسة من صلاحياتها. لكنهم عمدوا إلى نقل صلاحيات الرئاسة الأولى من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال». ويؤكد أن السلطة الإجرائية باتت اليوم «كل شيء، حتى عمل أصغر بلدية في لبنان يحتاج إلى توقيع وزرائها».
وينهي المرجع بدعوة المسيحيين الذين خاضوا حرباً دموية مكلفة لفرض اتفاق الطائف ويزايدون اليوم في ما يتعلق بحقوق المسيحيين واستعادة موقع رئاسة الجمهورية إلى استثمار وجودهم في الحكومة وضمن الأكثرية النيابية للتقدم بقوانين مشاريع تعيد للرئاسة الأولى جزءاً من صلاحياتها، بعد أن تسبب «أهون الأخطار» في وصول المسيحيين إلى هذا المستوى «الدوني» في صناعة القرار اللبناني.