مرجعيون ـ عساف أبورحال صور ـ آمال خليل

قـــائد الجيش يتفقّد موقـــع الانفجـــار ويؤكـــد الحرص على مكـــافحة الإرهــــاب

أعلنت قوات اليونيفيل حال الاستنفار التام والجهوزية الكاملة «درجة الأصفر» في صفوف قواتها ومواقعها المنتشرة في القطاع الشرقي وعلى الخط الأزرق، ويأتي هذا التدبير بعد العملية التي استهدفت إحدى دورياتها والتي أرخت بظلالها على كامل المنطقة، وخصوصاً القرى والبلدات الواقعة ضمن خط الانتشار الدولي، حيث يمثّل التعاطي مع هذه القوات مصدر عيش أساسياً لشريحة واسعة من الأهالي والتجار أصحاب المحال، والمطاعم والملاهي الليلية التي باتت مهددة بالإقفال التام نتيجة الأوضاع الأمنية المتردية. ويخشى أهالي المنطقة عودة عقارب الساعة إلى الوراء، إذ اعتادوا إجراءات أمنية مشددة زمن الاحتلال حدّت من نشاطهم وتنقّلاتهم على الطرقات العامة.
وأوضح مصدر في قوات اليونيفيل «أن هذه القوات هي خليط من جيوش نظامية تتبع دولاً متعددة، اعتادت حياة عسكرية بكل تفاصيلها، وهي اليوم موكل إليها حفظ السلام في جنوب لبنان بقرار من الأمم المتحدة وستكمل دورها وفق القرارات الدولية». أضاف: «هناك تدابير احترازية أمنية مشددة اتخذت في أعقاب الحادث، وخصوصاً حول مقار القيادة والمواقع العسكرية، يمنع بموجبها دخول السيارات المدنية، فيما يبقى التعاطي مع الأهالي ضمن الإطار الإيجابي المتعارف عليه سابقاً». كذلك عمدت الكتيبة الإسبانية إلى صرف موظفيها من المدنيين العاملين في مقر قيادتها في سهل بلاط الى منازلهم مؤقتاً، على أن يُستدعوا لاحقاً. وقام نحو 150 عسكرياً من قوة اليونيفيل بمسح تام للتلال الشرقية والغربية القريبة من موقع الانفجار، إلى مسافة ثلاثة كيلومترات بحثاً عن بقايا وأدلة تساعد في التحقيق، مزودين بكلاب بوليسية ويرافقهم خبراء في المتفجرات. وصباح أمس، حضرت رافعة إلى المكان ونقلت الآلية المدمرة إلى قاطرة، نقلتها بدورها إلى موقع الكتيبة الإسبانية، في بلاط، الذي يبعد أقل من كيلومتر واحد عن مكان الانفجار. ورجحت أمس فرضية أن يكون الانفجار قد حصل لاسلكياً، بحسب ما أفادت مصادر أمنية، بعدما جرى التلميح إلى احتمال أن يكون منفّذ العملية قد فجّر نفسه بسيارة «الرينو رابيد» التي سبب انفجارها اندلاع حريق امتد إلى الجوار حيث توجد أشجار من الزيتون.
وتفقد وزير الدفاع الإسباني مكان الاعتداء الذي أغلق في وجه الصحافيين والمصورين. وكان ألونسو قد عقد في المقر العام للقوة الإسبانية في بلاط اجتماعاً مطولاً مع مسؤولين في القوة الإسبانية والقوات الدولية، وزار بعد الظهر جريحين سقطا في الانفجار في مستشفى حمود في صيدا. يُذكر أن رئيس الشرطة القضائية الاسبانية خوان فرناندو وصل قرابة الرابعة بعد الظهر الى مقر الكتيبة الإسبانية في سهل بلاط حيث عقد لقاء مع قادة الكتيبة واستمع إلى شرح عن كيفية حصول الاعتداء، ثم انتقل فرناندو إلى مكان الانفجار وعاين الآلية المستهدفة.
وفي موازاة ذلك، واصل الجيش اللبناني إجراءاته المكثفة في المنطقة، إذ استمرت الحواجز الثابتة والطيارة، في تفتيش السيارات العابرة من وإلى المنطقة الحدودية والتدقيق في هويات ركابها. وتفقد قائد الجيش العماد ميشال سليمان موقع الانفجار ثم التقى في مقر قيادة الكتيبة المذكورة وزير الدفاع الاسباني خوسيه أنتونيو ألونسو على رأس وفد مرافق، في حضور سفيري اسبانيا وكولومبيا وقائد قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان الجنرال كلاوديو غراتسيانو، وقدم التعازي بالعسكريين الإسبان والكولومبيين وتمنى للجرحى الشفاء العاجل، وأثنى على تضحيات عناصر الكتيبة الاسبانية. بعدها تفقد العماد سليمان الوحدات العسكرية المنتشرة في القطاع الشرقي من الجنوب واجتمع الى الضباط العسكريين، وأشار إلى أن «الاعتداء الإرهابي الذي استهدف قوات اليونيفيل يأتي في سياق النيل من وحدة الوطن واستقراره». وأكد «إصرار الجيش على مواجهة الإرهاب المتسلل إلى الوطن بكل السبل والإمكانات المتوافرة ومهما بلغت التضحيات».
ومساءً، أقيمت مراسم صلاة ووداع للجنود الستة في المقر العام للقوات الاسبانية العاملة في اطار اليونيفيل في بلاط، في حضور وزير الدفاع الاسباني خوسيه انطونيو ألونسو وضباط كبار في الجيش اللبناني والقوات الدولية وعناصر من هذه القوات ممثلين لوحدات معظم الدول المشاركة. وقال ألونسو في كلمة ألقاها، إن «هؤلاء الجنود يخدمون قضية سامية في لبنان وقضية سلام». وأضاف أن لبنان «في حاجة إلى أشخاص مثلهم»، واصفاً إياهم بأنهم «شهداء الواجب». ومنح الوزير الاسباني وممثل قيادة الجيش الجنود القتلى اوسمة تقدير من الحكومة الاسبانية والجيش اللبناني. وتلا كاهن تابع للكتيبة الاسبانية صلاة لراحة أنفس الضحايا. ثم وضعت النعوش الملفوفة بالعلم الاسباني على وقع الموسيقى العسكرية في طوافة تابعة للقوات الدولية نقلتهم الى مطار بيروت. ومن هناك ستنقل الجثامين الى اسبانيا. والقتلى الستة هم ثلاثة جنود اسبانيين وثلاثة جنود كولومبيين يخدمون في اطار الجيش الإسباني.
وفي صور، حاولت الوحدات الأممية نهار أمس، جهدها لتطبيق القرار الشجاع الذي أقرّته قيادة اليونيفيل بمتابعة الدوريات والطلعات اليومية في مناطق عملها لمتابعة تنفيذ مهمة تطبيق القرار 1701 والحفاظ على السلم والهدوء في الجنوب، ملزمة عناصرها ارتداء الدروع الواقية من الرصاص ووضع الخوذ العسكرية على الرؤوس. وعلى ضفاف جنوبي الليطاني في القاسمية، تقف الآلية الإيطالية كعادتها تراقب حركة السير والمارة، لكن جنودها الثلاثة هذه المرة يقفون متوجّسين ممتنعين عن إلقاء التحية على الناس أو حتى مبادلتهم إياها.. لعل الخيبة منهم كبيرة أو أن خيوط الألفة التي بدأت تثخن عادت لتنقطع من جديد، بالرغم من أن مصادر اليونيفيل تؤكد أن مقتل ستة من جنودها على مذبح الجنوب لن يؤثّر على علاقاتها الطيبة مع السكّان أو يلغي أياً من الخدمات والتقديمات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية التي ستتواصل في كل القرى.
لكن المودّة الشائعة في الأجواء سوف لن تثني الوحدات عن فرض الحراسات المشددة حول مواقع تمركزها، ودفعت قيادتي اليونيفيل والجيش إلى رفع درجة التأهب إلى أعلى مستوياتها للمرة الأولى منذ بدء تطبيق القرار 1701، وتنفيذ الطلعات الأمنية والاحترازية جواً وبحراً وبراً. فمنذ أن وقع الحادث لم تهدأ المروحيات التابعة لليونيفيل ولم تكفّ عن تمشيط منطقة جنوبي الليطاني والخط الأزرق، فيما تسلّم الجيش اللبناني مهمة التفتيش الشديد عبر حواجزه المنتشرة على الطرقات الفرعية والرئيسية.
ولم تزد قيادة اليونيفيل الكثير على الموقف المقتضب الذي عبّرت عنه بعد وقت قصير من وقوع الحادث. إذ فضّلت الناطقة الإعلامية باسمها ياسمينا بوزيان «انتظار الانتهاء من التحقيقات الجارية قبل توجيه الاتهام إلى أي طرف كان»، معلنة عن «اتخاذ إجراءات أمنية ميدانية جديدة بالتعاون مع الجيش».
ولم تنأ قوات الاحتلال الإسرائيلي بنفسها عن المساهمة في طلعات الاستكشاف، فقد اخترقت 4 طائرات حربية واستطلاعية الأجواء اللبنانية وحلّقت فوق مناطق الجنوب وجزين وصيدا والشوف، فيما لم توقف الآليات العسكرية دورياتها السيارة على طول الخط الأزرق منذ لحظة وقوع الحادث.