أنطون سعد
قرر الفرقاء الرئيسيون في قوى 14 آذار في الاجتماع الذي عقدوه إثر اغتيال النائب وليد عيدو إجراء الانتخابات النيابية الفرعية في المتن الشمالي وبيروت لملء المقعدين الشاغرين ولو من دون توقيع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود على المرسوم. وقد تحفظ البيان الصادر عن الاجتماع عن ذكر هذا التفصيل، مكتفياً "بالإصرار" على إجراء هذه الانتخابات الفرعية "وبتحميل رئيس الجمهورية مسؤولية أي استمرار في عرقلة إجرائها واعتباره شريكاً مباشراً التي تستهدف النواب لتمنعه الفاضح عن توقيع مراسيم إجراء الانتخابات الفرعية".
وقد توافق المجتمعون على أن إعلان هذا التوجه في البيان من دون تحضير مسبق وإجراء اتصالات تمهيدية من شأنه أن يثير استياء البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير وسائر الأوساط المارونية الحيادية، لما في ذلك من نزع لما تبقى من صلاحيات رئاسة الجمهورية على رغم أن معظم هذه الأوساط من غير الموافقين على أداء الرئيس لحود. وأخذ رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع وبعض الشخصيات المارونية الموالية على عاتقهم أمر إبلاغ سيد بكركي قرار الأكثرية وشرح الأسباب التي تجعلهم يوافقون على مبدأ تخطي رئيس الجمهورية والاستغناء عن توقيعه. وبالفعل أجرى جعجع اتصالاً هاتفياً بالبطريرك صفير عند والعاشرة والنصف من الليلة نفسها، وأخبره أن الحكومة ستعقد اجتماعاً في القريب العاجل وتدعو الهيئات الناخبة في دائرتي المتن وبيروت إلى إجراء الانتخابات الفرعية وسترسل المرسوم إلى رئيس الجمهورية وإذا تمنع هذا الأخير عن توقيعه فلن تخضع الحكومة بعد الآن لذلك وستبادر إلى إصدار المرسوم من دون توقيع الرئيس لحود.
وعندما أبدى البطريرك صفير خشيته من مغبة اتخاذ هذا القرار والقبول بهذه السابقة وبما تعنيه على مستوى الدور المسيحي وموقع رئاسة الجمهورية، إضافة إلى كونه غير دستوري ولو كان يصح لكانت الحكومة قامت بإجراء انتخابات فرعية لملء المقعد الذي شغر في نهاية العام الماضي باغتيال الوزير والنائب بيار الجميل، رد رئيس القوات بأن هذا الأمر يندرج في إطار الضرورات التي تبيح المحظورات. وأضاف: "إذا لم نجر هذه الانتخابات فلن تتوقف عمليات الاغتيال التي قد تستمر إلى أن يصبح عدد نواب الموالاة أقل من 65 نائباً. علينا أن نقول لمن يقتل نوابنا أن ما يرمي إليه لن يوصله إلى مراده. إنها الطريقة الوحيدة لإيقاف مسلسل القتل المستمر منذ أكثر من عامين".
وتشير المصادر المطلعة التي كشفت لـ "الأخبار" هذه المعلومات إلى أن البطريرك الماروني وافق على أن إجراء الانتخابات الفرعية من شأنه أن يقلل من احتمالات اغتيال النواب إذا كان ذلك يرمي إلى خفض الحصة البرلمانية الموالية لكنه تحفظ في الوقت نفسه عن تجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية، ليس فقط لأن شاغله ماروني، بل لأن دعوته الدائمة إلى احترام الدستور تشكل إحدى الثوابت الأساسية التي تتمسك بها بكركي منذ نشأة دولة لبنان الكبير، ولا يُمكن التخلي عن هذا المبدأ. وأشارت هذه المصادر إلى اقتناعها الراسخ بأن البطريرك صفير يتمنى البحث عن وسيلة أخرى لإجراء الانتخابات الفرعية ليس فقط لعدم دستورية القرار، بل أيضاً لأن صدوره سيثير بالتأكيد معارضة كبيرة لدى القوى التي تناوئ الحكومة وقد يؤدي إلى زيادة منسوب عدم الاستقرار السائد في لبنان الذي لا تنقصه مشكلة جديدة.
وقد تطرق زوار الصرح البطريركي أمس إلى الموضوع نفسه مع البطريرك صفير الذي بدا لهؤلاء مقتنعاً بضرورة إجراء انتخابات في الظرف الراهن، لكنهم لم يلمسوا منه تأييداً لقرار قوى 14 آذار بتخطي رئيس الجمهورية إن هو أحجم، كما هو متوقع، عن توقيع مرسومي دعوة الهيئات الناخبة. وينقل الزوار عن سيد بكركي قلقه من المنحى الذي تأخذه الأمور وأمله في نجاح حوار بين الأطراف المتنازعة يؤدي إلى تشكيل حكومة وفاق وطني تعمل على تنفيس الاحتقان وتزيل التشنج اللذين ينذران بأوخم العواقب. بيد أن هواجس البطريرك الماروني لا يبدو أنها ستوقف قوى 14 آذار عن اتجاهها بإجراء الانتخابات الفرعية، فهي ماضية في مشروع على رغم أنها تتهيب أمام هذا القرار الذي تدافع عنه على أنه من الضرورات.