strong> بسام القنطار
لنبدأ من حيث جلست أمس نوال الجندي ابنة شقيق الشهيد الفلسطيني احمد الجندي (42 عاماً). كانت نوال تحدّق إلى صورة عمها التي وضعت في كادر خشبي وزينت بإكليل من الزهر وشموع. نوال قدمت شهادتها عمّا جرى في مخيم البداوي قبل أسبوع، لتتقاطع روايتها مع روايات العديد من الناشطين والناشطات، الذين كانوا قلة اجتمعوا أمس ليقولوا من بيروت إن هناك لبنانيين يحزنون على موت المدنيين الفلسطينيين، وليضعوا علامة فارقة تسبح عكس التيار الأهلي والشعبي اللبناني الغارق حتى أذنيه في موجة عنصرية ضد الفلسطيني الضحية في خلط غريب وكثيف بينه وبين الذين جاؤوا من أقاصي الأرض ليتمركزوا في مخيمه الذي بات يسكنه حلم العودة إليه مثلما يسكنه هاجس العودة إلى فلسطين.
ثلاث حملات مدنية هي: «حملة المقاومة المدنية» ـــــ «حملة من دون استثناء» ـــــ «حملة من إنسان إلى إنسان» قدمت نشاطاً يحمل أبعاداً ثلاثة: «عزاء وتضامناً ومطالبة». ورفعت لافتة سوداء كتب عليها تساؤل لم تجب عنه أي من الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال إلى اليوم: هل هكذا تدار الجموع؟
«جموع» موقف مكتبة أنطوان في شارع الحمراء الذين لم يتجاوزوا 30 ناشطاً وناشطة، كادت أن تساء إدارتهم أيضاً من جانب رجال الأمن والمخابرات الذين جاؤوا بكثرة إلى المكان وهم يتوقعون أن يلقوا جمعاً من الشباب الفلسطيني الغاضب الذي يريد أن يثير المشاكل في وجه الجيش اللبناني وعلى مقربة من المربع الأمني لقصر قريطم الذي يتمدد يوماً بعد يوم.
وقالت الأستاذة الجامعية رانيا المصري لـ«الأخبار» «إن الأعضاء في الحملات المدنية الثلاث ليسوا ضد الجيش ولا يكنّون له العداء وهم يدركون التضحيات التي بذلها، لكن هذا الأمر لا يبرر له الاعتداء على مدنيين فلسطينيين».
الناشطة رشا نجدي التي شاركت في التظاهرة قالت «لم يكن من الضروري أن يموت أحد، هذا اعتصام هو لفتة حب ووفاء لنذكّر كل الأبرياء المدنيين الجرحى والشهداء ولكي نطالب بالتحقيق الشفاف والسريع في طريقة موتهم».
عبد الرحمن زعزع، شكر باسم الحملات الثلاث كل الذين قدموا إلى هذا اللقاء الذي أراده لبنانيون حريصون على أمن الشعب اللبناني والفلسطيني وضنينون بكل قطرة دم تسيل من أي لبناني أو فلسطيني، أن يكون لقاءً تضامنياً مع عائلتي الشهيدين المدنيين محمد أحمد الجندي (24 عاماً) وحسام مزيان (25 عاماً).
وأشار البيان إلى أن «أسباب تلك التظاهرة تعود أساساً إلى شعور النازحين بالاحتقان النفسي والمعيشي ولا سيما بعد أن طالت غيبتهم عن مخيم نهر البارد، وانسدّت أمامهم كل آفاق الحلّ، فضلاً عن مرارتهم المتنامية لخسارة بيوتهم وممتلكاتهم في نهر البارد على قلّتها وشحّها، وإحساسهم بتصاعد الأزمة في المخيم المضيف (أي البدّاوي) الذي ضاق بهم بعدما تجاوزوا العشرين ألفاً. إلا أن بعض المتظاهرين انحرفوا عن الخط الذي كان المنظمون قد أعدّوه لهم وخرجوا من مخيم البداوي، وحصل ما حصل من أحداث مؤسفة نجم عنها استشهاد محمد وحسام، وإصابة خمسةٍ وثلاثين آخرين بجراح، بسبب إطلاق عناصر الجيش اللبناني النار عليهم... وأيضاً بسبب اعتداء بعض «المدنيين» اللبنانيين على المتظاهرين المسالمين بالعصي والسكاكين».
اما مطالب اللقاء فتضمنت «إجراء تحقيقٍ محايد في ما جرى ذلك اليوم، إحقاقاً للحق، وسعياً إلى منع تكرار أية حادثةٍ مماثلةٍ في المستقبل، سواء أطالت فلسطينيين أم لبنانيين».
وأضاف البيان «يتضمن التحقيق المحايد الذي ندعو إليه البحث في ما إذا تم فعلاً، كما يُقال، تدخل طرف ثالثٍ أشعل المواجهة من خارج صفوف التظاهرة والجيش اللبناني معاً، ويتضمن أيضاً استخدام الجيش، بحسب منظمة «هيومان رايتس واتش» القوة المميتة (lethal force) مع انه لم يكن ثمة ما يهدد حياة أي من عناصره وفقاً لجميع الشهود ـــــ وهذا ما يتناقض مع «المبادئ الأساسية» التي أقرتها الأمم المتحدة بصدد «استخدام العنف والقوة النارية من جانب مسؤولي إنفاذ القانون» ( US Basic Principles on the Use of Force & Fireams by Law Enforcement Officials). ولعلّ التحقيق يبحث أخيراً في سبب عدم حماية الجيش اللبناني للمتظاهرين المدنيين العزّل من الاعتداءات التي ارتكبها بعض «المدنيين اللبنانيين» من خارج التظاهرة مستخدمين العصي والسكاكين.
وختم البيان «فليكن محمد الجندي وحسام مزيان آخر الشهداء المظلومين في صراع صنعته سياسات غير مسؤولة. وليكن استشهادهُما مناسبةً متجددةً لتنقية العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية من عيوبها، ومناسبة من ثم لإطلاق حملةٍ شعبيةٍ لبنانيةٍ من أجل الاعتراف بالحقوق المدنية للشعب الفلسطيني في لبنان إلى حين عودته إلى وطنه الذي هُجّر منه: فلسطين».