ثائر غندور
أمضى خمسة وعشرون طالباً عشرة أيام في جبال الرمليّة للتدرب على حلّ النزاع مع الـUNDP. السؤال الأساسي الذي لا جواب نهائياً عنه: هل تؤدي المخيّمات فعلاً إلى خفض مستوى النزاع في لبنان؟

في الرمليّة حيث يُمكن أن تلامس السماء، يمضي خمسة وعشرون شابةً وشاباً لبنانيون المدرسة الصيفية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بالتعاون مع المركز اللبناني للدراسات. الرملية هي قرية قريبة من محمية أرز الشوف. المناخ لطيفٌ، والطعام الذي يتناوله الشباب في مركز المتوسط الحرجي صحي، وهم منعزلون منذ الجمعة في 17 آب عن العالم الخارجي،إذ لا تواصل مع شبكة الإنترنت، ولا تلفزيون، ولم تصلهم طوال هذه الفترة إلّا جريدة واحدة. هم لا يعرفون تفاصيل لقائيْ معراب والرابية المسيحيّيْن، وبالتالي لا بد «للمخيم الصيفي السنوي الثالث حول موضوع الوقاية من النزاعات وتحويلها» من النجاح، أقلّه حتى انتهائه، أي نهار الأحد في 26 آب.
يتنوّع الطلاب بحسب المناطق اللبنانية، وانتسابهم إلى الجامعة اللبنانية أو الجامعات الخاصة. لهذا التقسيم أهميته. فقد وجد عدد من طلّاب الجامعة اللبنانية نقاطاً إيجابية في كون عدد من المدرّبين من جنسيات أوروبية لأن ذلك يوفر فرصة التواصل معهم، وهي فرصة مفقودة في جامعتهم.
اليوم يصل المخيم إلى اليوم ما قبل الأخير. عدد كبير من الطلاب أصيب بدرجة عالية من الملل، والسبب، بحسب محمد العوجي، هو غياب الجلسات النقاشية في فترات الراحة والليل. آخرون يريدون أن يعرفوا ماذا يجري في البلد. ربما أبلغ تعبير عنهم قاله نظام الذي توّج «ملكة جمال المخيّم» تحت اسم: «Miss String»، إذ هو اختصره «بالنوم والأكل» وغياب النقاش السياسي «لأننا قريبون من أجواء بعضنا السياسية، والمعارضون ليسوا حادين». تدرّب الطلّاب في اليومين الأوّليْن مع المدرّب المتخصص في حل النزاعات وبناء المواجهات الإيجابية آرمين باليان، على أنواع النزاعات الفردية والجماعية، وصولاً إلى النزاعات الدولية. انطلاقاً من السيرة الذاتية للمشاركين عُرّف النزاع وحُدّدت مسبباته، فتبين أنّ النزاع هو في الوقت نفسه فرصة وخطر، وأن النزاع لا يُقوَّم بل تُقوَّم نتائجه. وهناك أنماط عدّة للتعامل مع النزاع هي: تنافس، تعاون، حل وسط، متجنب ومتنازل، وقد حُللت النتائج ضمن جلسة تتعلق ببناء استراتيجيات المواجهة.
وتدرّب المشاركون على كيفية بناء استراتيجيات ناجحة في التفاوض التي من أبرز خصائصها الفصل بين المواقف والمصالح، وأهمية المفاوضات في رصد الحاجات والمصالح، التي عادة تكون غير مرئية بعكس المواقف المعلنة. كذلك تعلّموا تقنيات التواصل ومن أبرز خصائصها «لغة الجسد» (Body Language) التي تساعد أو تعوق حلّ النزاعات.
وتوصّل المشاركون مع المدرّبة إلهام صوايا إلى أشكال أخرى للعنف. هي أشكال يعيشونها يومياً، لكنهم لم يكونوا يعتبرونها عنفاً، وهي: الطائفية، التهميش الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والدين الذي هو من أهم مصادر العنف.
ومن الخبراء الذين عملوا في تدريب الطلّاب، Hanna Reich وهي باحثة في مركز Berghof للتحويل البنّاء للنزاع، التي استعملت المسرح في التدريب على حلّ النزاع. وهو أسلوب جديد في التدريب، إذ عمل الطلّاب على تصوير حالات من المجتمع اللبناني بشكل فوري من دون تخطيط مسبق، فيقوم كل شخص بالدور الذي يتبادر إلى ذهنه فوراً. وقدّموا عروضاً عن العائلة، بيروت، البيروقراطية... وعند تقديم عرض بيروت، مثّلت أول صبية دور آلة تحفر شوارع المدينة. فالحفريّات أصبحت جزءاً من ذاكرة المدينة!. ومثّل كل شخصين على حدة دور حالة صدامية مثل الزوج والزوجة، صاحب منزل وخادمة... وتوصلّوا في نهايتها إلى أن أهم أسباب النزاع هو الرغبة في تغيير موازين القوى، وأن عدم انتفاض الضعيف على القوي يؤدي إلى زيادة استغلال القوي، وأن العدالة هي أهم شروط حلّ النزاعات.
بدوره، أشار مدير مشروع بناء السلام في الـUNDP جو حداد إلى أنّ هذه المخيمات ليست عصا سحرية، بل «يكفي أن نصل إلى مرحلة يفكّر فيها أي شخص قبل أن يتعصّب طائفياً».