دير عمار ــ عبد الكافي الصمد نهر البارد ــ نزيه الصديق

محطة دير عمار تتعرّض مجدّداً للقصف وعمّال الصيانة يفرّون منها

شهد مخيم نهر البارد اشتباكات عنيفة بعد ظهر أمس بين الجيش اللبناني ومسلحي حركة فتح الإسلام، الذين يتحصنون داخل مربع أمني في الجهة الجنوبية ـ الغربية من المخيم القديم، من غير أن تلوح في الأفق القريب علامات انتهاء المعارك في المخيم بعد مرور 76 يوماً على اندلاعها.
وتابع الجيش تقدمه بحذر شديد أمس، وواصل عملية القضم التدريجي للمربع الأمني، فعمد إلى تدعيم المواقع التي سيطر عليها، وتحصينها ضمن خطة يعتمدها منذ بدء المعارك، وهي تضييق الخناق والحصار على المسلحين حتى استسلامهم أو إنهائهم عسكرياً. كما سيطر على مواقع لوجستية تابعة لمقاتلي الحركة، ودارت اشتباكات متقطعة اعتمد فيها الجيش على القصف المدفعي، في الوقت الذي تقدمت فيه وحدة من مغاوير الجيش داخل المخيم، حيث أقامت عدداً من التحصينات والدشم.
وكانت أشد الاشتباكات عنفاً تلك التي دارت على المحور الشمالي ـــــ الشرقي المستعصي والمربك للجيش في محيط مركز ناجي العلي الطبي ـــــ التعاونية ـــــ مركز الشفاء، حيث عملت وحدات أخرى تابعة للجيش على محاولة تطهيره من المسلحين، والسيطرة عليه بشكل كامل، منعاً لأي تسلل منه من المسلحين. وشوهدت سحب الدخان السوداء تتصاعد فوق الشارع الرئيسي باتجاه التعاونية، فيما نجح الجيش باكتشاف العديد من مخازن الأسلحة والأنفاق والسراديب والملاجئ، وتم التعامل معها بالشكل المطلوب.
وأفادت معلومات عن تدمير ملجأ الكفاح المسلح الواقع في حي سعسع وإحراقه، ما إدى إلى تصاعد دخان كثيف فوق المخيم، في الوقت الذي شوهد فيه إطلاق صاروخين من المخيم سقطا في بلدة دير عمار.
وبعد الظهر دارت معارك عنيفة على المحورين الشمالي والجنوبي، وتعرضت أحياء سعسع، والبروة، والسوق، والدامون، والغوارنة وسعسع التحتا، لقصف مركَّز من مرابض الجيش التي دكت مواقع المسلحين بشدة، فيما أوضح مصدر عسكري أن مسلحي فتح الإسلام «يقاتلون بشراسة شديدة، ما جعلهم مصممين على القتال حتى النهاية وعدم الاستسلام للجيش والسلطات، مستخدمين في معاركهم الأسلحة الرشاشة وقذائف الهاون، ورصاص القنص والصواريخ، فضلاً عن تفخيخهم المواقع التي يخلونها وجثث القتلى».
ونعت قيادة الجيش ـــــ مديرية التوجيه كلاً من النقيب غالب أحمد قلوط من بلدة الخيام ـــــ قضاء مرجعيون والرقيب بيار أمين بو ضلع من بلدة كفرحبو ـــــ الشمال والعريف راجح جميل ورده من بلدة عيات ـــــ عكار الذين استشهدوا يوم أول من أمس. وبذلك يرتفع عدد شهداء الجيش في الأيام الثلاثة الماضية إلى ثلاثة ضباط وثلاثة عسكريين. وقد شيع الشهداء الثلاثة أمس بمشاركة عسكرية وشعبية، حيث احتضنهم الأهالي ورفاق السلاح بمواكب شعبية حاشدة، ثم أقيمت الصلاة على راحة أنفسهم، وألقى ممثل العماد قائد الجيش كلمة نوه فيها بمناقبية الشهداء وشجاعتهم وتفانيهم في أداء الواجب حتى الشهادة.
وأدى تعرّض محطة دير عمار الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية لإطلاق صواريخ الكاتيوشا عليها مجدداً يوم أمس، إلى عدم قيام عمال الصيانة بإصلاح الأعطال التي تعرضت لها المحطة نتيجة سقوط صاروخي كاتيوشا عليها يوم أول من أمس، وتوقفها بالتالي عن إنتاج الطاقة الكهربائية كلياً.
وكانت المحطة قد تعرضت قبل ظهر أمس، للمرة الثانية خلال يومين، لصاروخي كاتيوشا، سقط أحدهما في عرض البحر مقابل المحطة، بينما سقط الثاني فوق السياج الحديدي المحيط بالمحطة من الناحية الشمالية، محدثاً فيه فجوة، ما دفع عمّال الصيانة الذين قدموا صباح أمس من محطة كهرباء قاديشا جنوبي طرابلس للمساعدة في إصلاح الأعطال، إلى ترك معداتهم أرضاً، والفرار من المحطة التي دبّ في أوساط الموظفين فيها الهلع والخوف، فتركوا بدورهم أعمالهم في المحطة التي لم يبق فيها إلا العمال الفنيون وعمال الطوارئ.
وقد أوضح عمال فنيون في المحطة لـ«الأخبار» أن عمال تلحيم القساطل الثلاثة التي أصيبت أول من أمس، وورشة الصيانة المتخصصة في إصلاح عدد من كابلات التوصيل الرئيسية داخل المحطة التي تبين لاحقاً أنها تعرضت لأضرار، «لم يستطيعوا جراء الاعتداء الجديد القيام بمهمتهم، من غير أن يعرف إذا ما كانوا سيقومون بذلك مجدداً غداً (اليوم)».
ولفت هؤلاء العمال إلى أن «ورشة تصليح الأعطال في المحطة لا تحتاج إلى أكثر من 5 إلى 6 ساعات على الأكثر، لأن الأضرار التي وقعت فيها ليست جسيمة، ولم تصب محطات الإنتاج الرئيسية فيها بأي أذى»، مشيرين في مقابل ذلك إلى أن «إصلاح الأعطال ستعقبه عملية فحص دقيقة للتأكد من عدم تأثيرها على محطات إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها».
إلا أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، لأن إصلاح الأعطال ستعقبه، حسب العمال الفنيين، الحاجة إلى «موافقة شركة «كيكيلو» الكورية الجنوبية على إعادة تشغيل المحطة من جديد، وهو أمر لن تقدم عليه قبل اطمئنانها إلى أمن وسلامة موظفيها أولاً، وضمان عدم تعرض المحطة مجدداً للقصف، ما يعني أن عودة المحطة إلى إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها لن تكون قريبة».
وكانت المحطة التي تبلغ قدرة إنتاجها نحو 450 ميغاوات، أي نحو ربع حاجة لبنان من التيار الكهربائي، قد عانت منذ اندلاع الاشتباكات في مخيم نهر البارد في 20 أيار الماضي، تراجعاً في قدرتها على الإنتاج نتيجة عدم موافقة السفن على الرسو في البحر مقابل المحطة، وتفريغها مادة المازوت في خزاناتها لأسباب أمنية متعلقة بدورها بأحداث مخيم نهر البارد، إضافة إلى أن تزويد المحطة بحاجتها من المازوت عبر نقل الصهاريج لهذه المادة إليها من مصفاة منشآت نفط طرابلس الموجودة في بلدة البداوي المجاورة، لم يكن كافياً بسبب نفاد الكمية القليلة التي كانت موجودة في خزانات المنشآت، ما دفع إلى نقل المازوت بالصهاريج إليها من منشآت نفط الزهراني وخزانات محطة الزهراني لإنتاج الطاقة الكهربائية، الأمر الذي أدى إلى تراجع إنتاج محطة دير عمار من الطاقة الكهربائية إلى نحو 300 ميغاوات في الأيام الأخيرة، قبل أن تتوقف نهائياً عن الإنتاج منذ الاعتداء عليها أول من أمس.