بعلبك ــ علي يزبك
يمضي حسين موسى عباس كامل أوقاته في محترفه المتواضع في الفناء الخلفي لمنزله في حي البساتين في بعلبك، وهو يحوِّل الحجارة الصماء على مختلف أنواعها إلى أشكال مختلفة، باعثاً فيها الجمال والروعة.
ولد النحات حسين في عام 1951 في بيت يعبق بالفن، فوالده كان نحاتاً، وقد بهره ما صنعه والده، حيث نحت ستة أعمدة مماثلة للموجودة في هيكل قلعة بعلبك، بالإضافة إلى منحوتة عجل ضخم، وهو لا يزال موجوداً في الجهة الشمالية للقلعة، محتفظاً بلونه الأبيض.
وأثّرت في حسين أعمال والده، فترك مقاعد الدراسة مبكراً ليمارس هواية النحت التي ما لبثت أن تحولت إلى حرفة يمتهنها بإتقان منذ سن السادسة عشرة، حيث استقل عن والده بتحويل الحجارة إلى أشكال مختلفة، إلى أن تجمعت عنده عشرات المنحوتات، ثم بدأ ببيعها بأسعار بخسة كما يقول، وذلك من أجل تأمين لقمة العيش.
ويُحضر النحات حسين إلى محترفه المتواضع (المسقوف بالقش صيفاً والنايلون شتاء) أي حجر يصادفه مرمياً في الطريق مهما كان شكله أو نوعه وحجمه. ويقول إن شكل الحجر يوحي له بالمنحوتة التي قد تكون وردة أو طائراً، وغيرها من الأشكال المتنوعة.
أما أبرز أعماله فهو تحويل سلسلة من الصخور في منطقة دورس داخل أحد القصور الخاصة إلى منحوتات متلاصقة تمثل المجتمع البعلبكي وحفل الزفاف وبعض الأعمال التراثية، وقد استغرق العمل حوالى أربع سنوات بشكل متواصل. كما حول إحدى الحجارة من مقلع الكيال حيث مقلع حجارة قلعة بعلبك إلى تمثال ضخم للسيدة العذراء ويبلغ طوله نحو ثمانية أمتار، أما وزنه فيبلغ ثلاثين طناً، وهو موجود الآن على إحدى تلال مدينة زحلة. ويؤكد حسين أن عدد منحوتاته فاق الألف، وقد دفعته الحاجة إلى بيع غالبيتها. ولم يبق له منها سوى بعض الصور التي يحتفظ بها للذكرى.
شارك حسين في معرض محلي أُقيم في بلدة قصرنبا البقاعية في عام 1986، كما تلقى دعوة لعرض منحوتاته في الغرفة الزجاجية التابعة لوزارة السياحة، لكن غياب الإمكانات المادية وبعض الظروف الخاصة منعته من تلبية هذه الدعوة.
وما يطمح إليه اليوم هو إقامة معرض دائم للنحاتين والحرفيين في مدينة بعلبك. وهو يرى أن تاريخ بعلبك لا يمكن أن يتوقف عند بناة القلعة، بل إن أبناء المدينة اليوم يملكون طاقات كبيرة لا تقل عن أسلافهم، لكن «الإهمال أصابنا بنوع من الإحباط، ونحن نسعى مع نقابة الفنانين التشكيليين والحرفيين في البقاع إلى إعادة إحياء هذا الأمل، وإن شاء الله نتمكن من إقامة معرض دائم لأعمالنا».