أنطوان سعد
توقعت مصادر مطلعة تبلور نتائج اجتماعات اللجنة الرباعية المنبثقة من المبادرة البطريركية بحلول يوم السبت المقبل. إذ تعكف هذه اللجنة خلال الفترة الفاصلة على تحقيق أمرين: لائحة بأسماء المرشحين المقبولين من الأطراف السياسية المسيحية الأساسية، وترتيب اجتماع لهذه الأطراف مع البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، بحضور الأساقفة الموارنة الثلاثة، بولس مطر وسمير مظلوم ويوسف بشارة، الذين اجتمعوا مساء أمس لتقويم ما أُنجز حتى الآن، والنظر في ما بإمكانهم أن يسهموا فيه من أجل إزالة العقبات من أمام المبادرة. ومن المقرر أن تُعرض نتائج اجتماعات اللجنة الرباعية، والاتصالات التي يقوم بها المطارنة مع القيادات السياسية بعيداً من الأضواء على سيد بكركي، في نهاية الأسبوع، لإجراء تقويم شامل للمرحلة الأولى، ومن ثم إطلاق المرحلة الثانية التي تتوقع المصادر المطلعة أن تشتمل على خطوة عملية متكاملة مع ما يجري في عين التينة، بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الدين الحريري.
وقد أعربت أوساط مسيحية محايدة عن ارتياحها للاتجاه الذي أخذته الاتصالات والعلاقات بين القيادات المارونية، ابتداءً من الدعوة التي وجهها البطريرك الماروني. ولا يعود كل الفضل إلى هذه القيادات التي لم تحسن توفير المناخات الملائمة لمبادرة بكركي من تلقاء نفسها، بل إلى انسداد الوضعية السياسية والضغوط الممارسة من الوزراء الأوروبيين الثلاثة الذين زاروا لبنان أواخر الأسبوع الماضي، وعدم قدرة بري والحريري على الاتفاق في ما بينهما على مرشح، لعدم تمكن كل منهما من الحصول على تفويض كامل حلفائه. إذ إنهما يحاولان تفادي الدخول في إشكالات، كل مع القوى المسيحية التي يتحالف معها، وبخاصة المرشحين منهم، ما قد ينعكس سلباً على تماسك كلا الكتلتين. كما أنهما يفضلان ألا يأتي الاسم التوافقي كثمرة اتفاق بينهما، ويُصوّر الأمر وكأن تفاهم القيادات الإسلامية هو من سيفرض على المسيحيين هوية الرئيس العتيد للجمهورية.
وفي هذا الإطار، تؤكد أوساط مارونية فاعلة أن ثمة وعياً حقيقياً لأهمية الدور المسيحي في لبنان من جانب طرفي النزاع، وبخاصة من جانب الرئيس بري، الذي رفض أمام زواره مقولة إن رئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف بات حكَماً، مشيراً إلى أنه «حاكم وحكيم»، وبقدر ما يكون الرئيس حكيماً بقدر ما تزداد قوة حكمه وفعاليته. وتضيف هذه الأوساط أن ثمة حاجة لبنانية جامعة لدور مسيحي يُخرج البلاد من أمام الحائط المسدود، وبخاصة لقيادات تكون على الأقل على مستوى القيادات المسيحية في الستينيات التي كانت تتوسل وتستنبط كل الحلول من أجل إيجاد المخارج للأزمات السياسية، حتى لا يسقط لبنان في هوة الصدامات.
السمة الأساسية للحياة السياسية اللبنانية، منذ سنة على الأقل، هي الإقفال والجمود تماماً، على رغم التوتر المستمر الناتج من قلق الرأي العام من انعكاس التشنج السياسي أحداثاً أمنية ميدانية. كل طرف «يخيّم» على موقفه. لا مناورات ومرونة سياسية، ولا وعود تحت الطاولة، ولا محاولات لاستيعاب ناخب صغير أو كبير في البرلمان. فقط تصلّب وعض أصابع وانتظار لانكسار الفريق الآخر، ولتبدد المعطيات التي تقوّي موقفه، من دون السعي إلى قلب التوازنات في مجلس النواب أو تحسينها، كما حصل سنة 1970. في تلك الانتخابات الرئاسية كان عدد الأصوات متقارباً بين الطرفين، إلى حد شبيه بالنسب القائمة اليوم، ولكن مع فارق أساسي هو أحادية القطب في معظم الطوائف اللبنانية. وبالطبع لم يفكر أي طرف بمقاطعة جلسة الانتخاب أو التمسك بالثلث المعطل لإجبار الفريق الآخر على مرشح توافقي. بل عمد كل طرف إلى وسائل عدة لتأمين فوزه، منها محاولة شراء أصوات نواب. ويؤكد بعض المخضرمين، ممن لعبوا دوراً، أنه دُفع مبلغ خمسين ألف ليرة، وفي بعض الحالات أكثر، لشراء الأصوات، إضافة إلى وعود أخرى. ووصل الأمر إلى حد ترشيح النائب سليمان فرنجية، المعروف بأنه كان أقرب إلى أركان النهج الشهابي منه إلى زعماء الحلف الثلاثي. إذ كان من المفترض أن ينتخب فرنجية حاكم مصرف لبنان إلياس سركيس، الذي كان على موعد معه قبل بضعة أيام، لو لم يقنعه الرئيس كميل شمعون بالترشح من أجل الحصول على صوته وصوت نائب الكورة فؤاد غصن.