رامي زريق
يتكاثر الحديث هذه الأيام عن الخصخصة: الخلوي، الكهرباء، وقريباً المياه. تتزامن تلك العزائم الخصخصاوية مع برامج «تنموية» مموّلة دولياً تطال بعض المناطق اللبنانية، وخاصة الجنوب، وتهدف إلى إصلاح قطاع المياه. من جملة هذه الجهود دعم المؤسسات المحلية في عملية التسعير والتعامل مع المياه كسلعةٍ تخضع لتجاذبات العرض والطلب. وهذه خطوة أساسية على درب الخصخصة ونقل مسؤولية الدولة بتزويد المواطن بالمياه عن طريق الشركات الخاصة. ولمَ لا؟ فهذه هي الموضة في عالم اقتصاد السوق. إلا أن الموضة بدأت تتغيّر بعدما أشارت الدراسات مثلاً إلى أن خصخصة المياه لن تؤدي إلى تقليص الهدر لأن من مصلحة القطاع الخاص تشجيع الاستهلاك لتحقيق أرباح أكبر. وفي ناميبيا مثلاً، قطعت الشركات الخاصة المياه عن القرى النائية، ما أدّى إلى ازدياد الفقر فيها وإلى خلق ما سمّي «الأبرتايد الجديد» (new apartheid). يتباهى لبنان بمياهه الوفيرة التي أهملها ولوّثها وهدرها شعباً وحكومةً. وتقوم الدولة اليوم بعملية الخصخصة من أجل التهرّب من مسؤوليتها في المحافظة على المياه وتنظيم القطاع. وبالإضافة إلى كل ما أشرنا إليه سابقاً من سلبيات خصخصة المياه، هناك مخاطر جدّية خاصة بلبنان وبالأطماع الإسرائيلية بمياهه.
فإسرائيل لم تخفِ يوماً عزمها على الاستفادة من مياه جنوب لبنان إما بالقوة كما تفعل اليوم بمياه الحاصباني، ومن دون أي رادع دولي، أو من خلال إدراج المياه في بند من بنود اتفاق تأمل توقيعه قريباً على نسق اتفاق 17 أيار. والأسباب واضحة وبسيطة: إسرائيل بحاجة إلى الماء لاستدامة كيانها، وخاصة في عالم يجف يوماً بعد يوم. وهنا يكمن خطر تدخّل المؤسسات العلمية والتنموية الغربية لإقناع الباحثين والسياسيين اللبنانيين بأهمية تسعير وخصخصة المياه، إذ إنها الطريق الأسرع إلى بيعها لمن يدفع أكثر.