آلان غريش
أعرف جوزف منذ سنوات طويلة. كنّا نلتقي بانتظام في باريس، في بيروت، أحياناً في أماكن أخرى، خلال هذه المحاضرة أو تلك. في كلّ مرة قصدت لبنان، كان هو أوّل شخص أشعر بحاجة إلى رؤيته، لشدّة ما كانت نظرته مميزة وفريدة وأساسيّة في الاضاءة على الوضع، والافلات من النظرة المسيطرة والتبسيطية التي تسود غالباً في أوروبا.
ننتمي، جوزف وأنا، الى الجيل نفسه من الصحافيين الملتزمين في معارك زمننا. عشنا الآمال ذاتها، وحصدنا الخيبات نفسها. لكن، رغم كلّ شيء، عرف جوزف كيف يبقى وفياً لقناعاته، تلك القناعات التي تخلّى عنها كثيرون باسم “الواقعية” و“التعب”، أو من أجل امتيازات مادية لطالما كانت الحكومات القائمة على استعداد للتكرّم بها على الصحافيين المتسامحين معها. لكن ذلك الالتزام وتلك القناعة القوية، لم يدفعاه يوماً الى القيام بتحليلات تبسيطية، وفي هذه المرحلة القاتمة التي يشهدها لبنان، أقبل الجميع ــــــ بمن فيهم خصومه ــــــ على قراءة افتتاحياته في “الأخبار”. كانت تلك الافتتاحيات تعبّر عن رغبة في خروج لبنان والمنطقة من الطريق المسدود التي تحاصرهما منذ عقود. كان جوزف يمتلك ثقةً بإمكان ايجاد القوّة الكافية لدى شعوب المنطقة لحلّ المعضلات التي تعترض سبيله. لم يكن يؤمن بأنّ الخلاص سيأتي من الخارج، وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية التي تحرّكها دوافع أخرى غير التحرير والديموقراطية.
مع رحيله، فقد لبنان أحد أفضل صحافييه. أما أنا فخسرتُ صديقاً سأفتقده ما حييت.