149; جولة مبارك الخليجية تربط قمة دمشق بانتخاب رئيس للبنان أو استبدالها أو نقلها
بعد يومين من اللقاءات واجتماعين امتدا 8 ساعات، توصل الأمين العام للجامعة العربية إلى اتفاق المعارضة والموالاة على المتّفَق عليه وبقاء النقاط الأساسية موضع نقاش... وذلك ما جعله يعتقد أن الوقت حان لانتخاب رئيس جديد!

مسحة التفاؤل بإمكان تحقيق خرق ما في جدار الأزمة، التي نتجت أولاً من انعقاد الاجتماع الرباعي مساء الأحد ثم مدة هذا الاجتماع الطويل نسبياً، وتحديد موعد آخر أمس، تبددت بعد وصول مهمة ناظر المبادرة العربية عمرو موسى إلى لا شيء، ما عدا أن النقاش جرى بسلاسة «وكان ثمة توافق على عدد كبير من النقاط».
حوإلى ثلاث ساعات إلا ربعاً، هي مدة الاجتماع الرباعي الرابع، الثاني في أقل من 24 ساعة، الذي ضم إلى موسى النائب ميشال عون عن المعارضة والرئيس أمين الجميل والنائب سعد الحريري عن الموالاة، إضافة إلى مساعديهم. وخرج منه موسى ليتحدث عن توافق على قانون انتخابي على أساس قانون عام 1960، قبل أن يضيف: «هناك ضمانات قبلت لكن الأساس نفسه لم نصل إليه». وذكر أن مسألة العدد في تشكيل الحكومة «ما زالت موضع نقاش»، وقال إن الجميع موافق على الثلث في الحكومة المقبلة «ولكن التعطيل هو الذي استغرق وقتاً، فالمعارضة لها عشرة، أما تقسيم العشرين الباقين فهو الموضوع». لكنه طمأن إلى أن النقاش متواصل و«المسألة ليست مستحيلة»، وقال: «إن التواصل بين الطرفين يجعلني أعتقد أن الوقت حان لانتخاب رئيس للجمهورية»، متمنياً «ألا يتجه الوضع إلى التصعيد بل إلى التهدئة، حتى لو لم نصل إلى حلول محددة». وأعلن عدم الاتفاق على موعد محدد للاجتماع المقبل «ولكن اتفقنا على ضرورة الاجتماع»، مؤكداً أن لبنان سيمثل في القمة العربية المقبلة.

تفاصيل الاجتماع بحسب مصادر الأكثرية

أما تفاصيل ما حدث فهي حسب مصادر الجميل والحريري أن موسى اقترح أن تسمّي المعارضة والموالاة وزيراً «مغفلاً» لكل منهما من حصة رئيس الجمهورية، لكن الملاحظات تناقضت لدى الفريقين فرفضها العماد عون وأكد على صيغة تقول بـ11 وزيراً للمعارضة بدون أية مواربة، وكذلك رفض الجميل والحريري في المبدأ وجود وزير يعطي المعارضة الثلث زائداً واحداً رغم إصرار موسى على اعتبار الوزيرين ممثلين للتوافق بين الطرفين ورئيس الجمهورية.
وبشأن قانون الانتخاب، عرض موسى الصيغة المتصلة بقانون عام 1960 ليكون معتمداً في انتخابات 2009، لكن النقاش حولها استفاض. وفيما أصرّ عون على الاحتفاظ بالتقسيم الإداري الذي اعتمد في حينه، رفض الجميل والحريري وأصرا على إعادة النظر في هذا التقسيم بفعل المتغيرات الديموغرافية بعد مرور خمسة عقود على القانون المذكور. وأصر موسى لاحقاً على صيغة تقرّب بين وجهتي النظر، فتم التوافق على ترك أمر البت بالتقسيمات على أساس إداري وعلمي يراعي المتغيرات على مستوى المحافظات والأقضية وتحوّل بعضها إلى محافظات.
وفي موضوع سلاح المقاومة ومصير قرارات طاولتي الحوار والتشاور، لفت موسى إلى البند الخاص في مقررات مجلس الوزراء العرب في 27 كانون الثاني الماضي لجهة استعارة النص المعتمد في بيان حكومة السنيورة، لكن الجميل والحريري أصرا على وجود تناقض بين مضمون بعض الفقرات والقرارات الدولية التي صدرت لاحقاً، وصولاً إلى القرار 1701 الذي طالب بحظر إدخال السلاح غير الشرعي إلى لبنان، مع المطالبة المشددة بتنفيذ القرارات الدولية مع تسميتها بالتفصيل بدءاً بالقرار 425 واستكمال تنفيذه حتى القرارات الأخيرة، بما فيها المتصلة بالمحكمة الدولية وغيرها، مع قبولهما بأن تكون هناك فقرة خاصة ترى سلاح المقاومة شأناً داخلياً لبنانياً خاضعاً للنقاش والتفاهم بين اللبنانيين من خلال حوار يحدد سقفه الزمني في وقت لاحق عقب انطلاق الحوار برعاية رئيس الجمهورية العتيد، وقد جرى نوع من التفاهم المبدئي على هذه الصيغة مع التشديد على البعد اللبناني للقضية.
وفي شأن ملف المجلس الدستوري، تحقّق التوافق على ضرورة إحيائه رغم النقاش الذي دار بين الحريري وعون على خلفية جزم الثاني باستعادة 11 مقعداً نيابياً لو قام المجلس الدستوري بالمهمات المنوطة به، وارتفع الجدل بشأن الموضوع قبل أن يتدخّل الجميل ليؤكد أن الحكومة قامت بدورها في تشكيل نصف أعضاء المجلس وتسميتهم، لكن المشكلة باتت قائمة عندما لم يقم المجلس النيابي بدوره في هذا المجال، لكن التوافق حصل على الموضوع.
وكان الجميل قد أنهى الجولة الثانية من الاجتماع بنداء وجهه إلى عون عبّر عنه بشكل مناشدة لتسهيل انتخاب رئيس جديد بكل المقاييس الوطنية، ولا سيما المسيحية منها، بعدما اعتذر من الحريري وموسى على كلامه على خلفياته المارونية، مشيراً الى أنه ليس مضموناً في ظل هذه الأجواء أن يتمكن اللبنانيون من انتخاب رئيس للجمهورية ليستعيد لبنان موقعه المميز بين الدول العربية.

... وبحسب مصادر المعارضة

أما مصادر المعارضة فأشارت إلى أن الحريري والجميّل أعلنا رفضهما قانون انتخابات الـ60، مشدّدَين على واقع انتخابات بيروت، على خلفيّة أصوات الأرمن، إلى حدّ دفع بالجميل إلى القول لعون: «عامليلنا ياها سندويش، أنا بحبّ الفطاير». ولفتت مصادر عين التينة إلى أن قانون الانتخاب بات «العقدة الأبرز»، قائلة إن الموالين يريدون قانوناً «على المقاس»، و«لم يعد يهمهم انتخاب الرئيس فوراً».
أما صيغة الـ13ــــ10ــــ7، فقد لقيت آلية تشكيلها رفضاً قاطعاً من ممثلَي الموالاة، على خلفيّة طرح المعارضة لأن تضمّ حصة رئيس الجمهورية وزيراً تقترحه هي من ضمن ثلاثة أسماء، ووزيراً تقترحه الموالاة وفق المبدأ نفسه، وذلك منعاً لأن تصبح حصة المعارضة 11 وزيراً، أي بما يوفر لها الثلث الضامن. وأمام رفض الموالاة كل الصيغ المطروحة للتشكيلة الحكومية، ومن ضمنها المثالثة التي لم يتمّ أي اتفاق لا على مبدئها ولا على مضمونها، بقي هذا البند معلقاً.
وخلال اللقاء، أعلن الجميّل رفضه انتخاب الرئيس دون تعديل دستوري، كما البحث في ملف المهجّرين، وذلك «كي لا نسبّب إحراجاً للبعض، كالمعنيّين بملف وادي الذهب (وادي أبو جميل) مثلاً». وذلك، بعد أن أطلعه الحريري على مضمون ورقة وردته من النائب وليد جنبلاط، خلال انعقاد اللقاء.
وفي نهاية اللقاء، ارتأى موسى أن يعلن مجريات ما حصل، لكن رغبته قابلها رفض من قبل الجميّل لأن «هذا الإعلان يبيّن أن الموالاة تعطّل». وعندها، اكتفى موسى بالقول: «جئنا من أجل موضوع الشراكة.. وهذا الأمر لم يحصل». وعبر بقلق بالغ عن شعوره بالأسى لتبخّر كامل الآمال التي عقدها على هذا الحوار. وأبلغ المجتمعين بأنه سيكون أميناً مع مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم في 5 آذار المقبل في عرض نتائج مهمته في بيروت معبراً عن أسفه لما آلت إليه.

تأجيل جلسة الانتخاب ومواقف من المبادرة

وبعدما تلقى رئيس مجلس النواب نبيه بري اتصالين من موسى وعون، أعلنت الأمانة العامة للمجلس تأجيل الجلسة التي كانت مقررة اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية إلى 11 آذار المقبل، وصرّح بري بأنه «تماشياً مع مبادرة الجامعة العربية وإعطاء المزيد من الفرص لجهود أمينها العام في سبيل التوافق بين اللبنانيين، أرجئت الجلسة إلى ما قبل موعد انعقاد القمة وإلى ما بين الآذارين» أي بين 8 و14 آذار.
وكان موسى قد زار بري قبل الظهر وأطلعه على نتائج اجتماع مساء الأحد وأجوائه. ثم التقى بعد الظهر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ناقلاً إليه أجواء اجتماع أمس. ومساءً غادر عائداً الى القاهرة، وأكد في المطار أن المبادرة مستمرة، رغم الصعوبات، وقال إن تحديد جلسة الانتخاب في يوم وسط بين 8 و14 آذار «حنكة من الرئيس بري». وكشف أنه عرض 13 وزيراً للأكثرية و7 للرئيس «ويمكن أن يكون العدد 14 للأكثرية و6 للرئيس». ونفى إمكان مجيء وزراء الخارجية العرب، قائلاً: «الحل موجود، والحل مختص به الأمين العام فقط».
وترأس بري اجتماعاً لكتلة «التنمية والتحرير»، خصص لبحث التطورات ونتائج تحرك موسى، دون أن يصدر عنه بيان.
وفي المواقف، قال النائب بطرس حرب، بعد لقائه السنيورة، إن الآمال بشأن الاجتماع الرباعي الثاني «ليست كبيرة»، متهماً المعارضة بطرح شروط تعجيزية. ورأى النائب مصطفى علوش «أن الوقت الذي أعطي للمبادرة العربية قد استنفد على ضوء قرب موعد انعقاد القمة العربية»، وتحدث عن شائعات عن احتمال دعوة بري لحضور القمة، معتبراً ذلك «أمراً غير منطقي لأن السلطة التنفيذية هي من تُدعى لاجتماعات كهذه».
وخلال لقائه وفداً من «المرابطون»، قال نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، إن «صراعات الآخرين تترك ذيولها على الحلول الداخلية، وأصبح واضحاً أننا كلما وصلنا إلى حل وتسوية وقف فريق السلطة ليمنع أي تقدم أو ملاقاة بسبب عدم القدرة على الإمساك بالثلثين، وبالتالي، عدم الإمساك بالقرار السياسي الذي يلغي حضور المعارضة وفاعليتها». وأردف أنه «لا حل في لبنان إلا بالمشاركة. ونحن إيجابيون كمعارضة لكنهم يرفضون كل شيء»، وقال «إن الصراع هو مع أميركا وأدواتها في لبنان والعالم العربي».
واتهم النائب أسعد حردان الأكثرية بالقيام «بسيناريو توزيع الأدوار ضمن أوركسترا معروفة»، متهماً النائب وليد جنبلاط وجعجع، بأنهما يحاصران الحريري المفاوض باسم الموالاة عبر مواقف سياسية مسبقة.
على صعيد آخر، أبرقت نازك الحريري إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، معزية «بشهادة القائد العسكري المجاهد العزيز عليكم وعلى الكثيرين من محبيه»، معلنة مشاركته «الحزن على افتقاده»، وراجية الله أن يسدد خطاه «لما فيه خير الوطن والمخلصين من أبناء أمتنا العربية».

جولة مبارك الخليجية: الانتخاب قبل القمة

عربياً، قال الرئيس المصري حسني مبارك لتلفزيون البحرين الرسمي: «القمة تنعقد في سوريا، وسوريا لها علاقة بمشكلة لبنان، ولذلك أتمنى منها أن تحل المشكلة حتى نتمكن من حل المشكلات الأخرى حين تنعقد القمة»، كما تمنى أن «تنعقد القمة بكامل القوة». ونبّه إلى أن المبادرة العربية «هي آخر مبادرة موجودة»، متسائلاً «إلى أي مدى يبقى لبنان مقسماً وممزقاً؟ هل هذا يرضي العالم العربي والزعماء والشعوب»، وأردف أن الشعوب يجب أن ترد على السؤال.
وكان مبارك قد انتقل أمس من السعودية إلى البحرين، وحضّ وملكها حمد بن عيسى آل خليفة، «الأطراف اللبنانية على تجاوز خلافاتها وإيجاد حل عادل للأزمة السياسية بانتخاب رئيس توافقي، وتعزيز الحوار الوطني بما يضمن مصلحة لبنان ووحدته واستقراره، وذلك قبل انعقاد مؤتمر القمة العربية».
وأشارت «يونايتد برس إنترناشونال» إلى أن بعض التقارير تحدث عن أن عدداً من الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر والأردن قد تعمد إلى نقل القمة من دمشق إلى مكان آخر وتحوّلها إلى اجتماع طارئ، أو لا تتمثل فيها بوفود رفيعة المستوى، في حال عدم انتخاب رئيس لبناني قبل ذلك.
إلى ذلك، أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية، أن وزراء خارجية دول المجلس سيبحثون في اجتماعاتهم في الرياض نهاية الأسبوع الحالي «الوضع في لبنان والاتصالات الأخيرة التي جرت في شأنه». وأعرب عن أمله أن «تحل مسألة انتخاب رئيس توافقي في لبنان وأن تتفق الأطراف اللبنانية على حل يجنّب لبنان الفوضى قبل موعد عقد القمة».