149; تسليم المعلومات بشأن ما جرى في مار مخايل إلى القوى الأمنية وسنتابع التحقيق إلى النهاية
عندما استشهد هادي نصر الله عام 1997، اتصل ميشال عون بحسن نصر الله معزياً. هكذا بدأت علاقة زعيمين يرى كلّ منهما أن الآخر يملك أهم صفة على رجل السياسة أن يتحلّى بها وهي: الصدق. أمس تحدّث الرجلان عن تفاصيل علاقتهما، والحوادث التي مرّت على لبنان منذ اغتيال الرئيس الحريري

أعلن السيد حسن نصر الله أن حزب الله لم يقدم معطياته ومعلوماته بشأن حوادث مار مخايل إلى وسائل الإعلام، بل إلى الجهات الامنية المعنية بالتحقيق «حتى لا نشكل ضغطاً على التحقيقات». وأشار إلى أن مسار التحقيقات حتى الآن جدي وجيد ومرضي، و«لا نريد أن تُحمّل المسؤوليات عشوائياً، نريد الحقائق وتحديد المسؤوليات، وهو ما تداولته مع الجنرال سليمان». ورأى أن كل الذين استشهدوا مثل نجله الشهيد هادي.
وقال نصر الله في المقابلة المشتركة مع العماد عون على قناة OTV إنّه أخبر سليمان بأن الحفاظ على الجيش يكون عبر تحقيق جدي وحاسم. وأشار إلى أن الجيش استطاع في ثلاث سنوات الحفاظ على الوحدة الوطنية، لأنه دافع عن الجميع. وعندما يتحوّل إلى فريق يخسر، وبهذا يخسر لبنان كله، مؤكداً أنه سيتابع التحقيقات إلى النهاية.
وعن عودة الأمين العام لجامعة الدول العربيّة عمرو موسى، قال عون إنه بعد التفاهم على الرئيس يجري التفاهم على البند الثاني وعلى كل البنود، و«بعدها ننفّذ. ولكن التنّفيذ الجزئي لا يمكن أن يتمّ عبر الضمانات، بل يجب أن يكون تفاهماً كلبنانيين، وهذا ما قلته للرئيس الفرنسي عندما عرض علينا ضمانات»، مضيفاً أنه أكد للرئيس الفرنسي أن السياسات الدولية والاقليمية تتغيّر، لذلك «نريد ضمانات فيما بيننا نحن اللبنانيين. فمن الذي نفّذ الضمانات العربية التي أُعطيت للطائف؟». ورأى أن المرشح التوافقي هو مرشح لصيانة التوافق، وأن تأييد سليمان مرشّحاً كضمان للتوافق من ضمن البنود التي طرحها عون في مبادرته. وقال إن المعارضة لا تستطيع أن تقبل مناورة تنحّي المرشح الأقوى عن الرئاسة، وبعد انتخاب الرئيس تُهمّش المعارضة، وهناك «محاولة حذف لنا». ورأى أنه بغياب التفاهم لا يستطيع الرئيس أن يقوم بأي شيء، وخطاب الموالاة تصعيدي.
ورفض عون القول إنه يقيّد الرئيس بشروط، وقال إنّه لا توجد أزمة ثقة بينه وبين سليمان، و«الموضوع ليس بين شخصين، بل هو بين المعارضة ومن بيدهم الأكثرية». وأضاف أنّه تخلّى عمّن يمثلّهم بتنحّيه عن الترشيح، ولا يستطيع أن يصمد أمام قاعدته الشعبية بالتخلي عن المشاركة. و«لذلك لا نتخلّى عن الثلث الضامن».
وقال نصر الله إن المقاومة هي ردّ فعل ونتيجة، وليست هي المأزق. ونشوؤنا لا علاقة له بنشوء الدولة الإسلامية في إيران، وعندما دخل حزب الله في عام 1992 إلى المجلس النيابي، كان الهدف أن يكون للمقاومة صوت في المجلس.
ولفت إلى زيارة الأمين العام السابق للأمم المتّحدة كوفي أنان، حيث دار النقاش بشأن الأرض المحتلة والأسرى، ولم يحصل أي تقدم. وقال إن بعض الناس لا يهمهم الحدود في الجنوب، «تركنا للحكومة تعمل لاسترداد الأسرى واسترجاع شبعا، وأوقفنا العمليات، إلا العمليات التذكيرية». وأضاف أن المقاومة استطاعت خلق توازن رعب من عام 2000 إلى 2006. وأشار إلى أن العدو الإسرائيلي يستطيع أن يختلق الذرائع لكي يشن حرباً على لبنان كما حصل في عام 1982.
ولفت نصر الله إلى أن التفاهم مع عون هو أقل من التفاهم الذي حصل مع الرئيس رفيق الحريري قبل استشهاده بأسابيع، حين قال الحريري لنصر الله إنه «مؤمن بالمقاومة، ليس فقط لتحرير مزارع شبعا واسترجاع الأسرى، بل لتحقيق السلام العادل. وقلت له حتى تحقيق التسوية الشاملة بحسب أدبيات حزب الله. فقال الحريري إذا كنت في الحكومة عند تحقيق ذلك أقول لك وقتها ماذا تريد أن تفعل؟ فإذا لم توافق على تسليم السلاح أفضّل أن أقدم استقالتي وألا أجعل البلد جزائر ثانية».
وقال إنه لم يطلب ورقة من الحريري لأنه كان يثق به. وأثير لاحقاً هذا الموضوع مع النائب سعد الحريري الذي وافق عليه والتزم بما التزمه والده ووافق عليه النائب وليد جنبلاط. وأضاف أنه تحدّث مع عون عن استراتيجية دفاع وطني، ولفت إلى أنه توافق مع عون على دولة قوية وعادلة، «ونحن لا نريد الاحتفاظ بهذا السلاح إذا كان هناك دولة تأخذ عنا هذه المسؤولية».
وبدوره، قال عون إن موضوع السلاح مرتبط بثلاثة شروط: مزارع شبعا والأسرى والاستراتيجية الدفاعية. ولفت إلى أنه اعترض عام 1989على احتلال آخر مزرعة، كما لا يمكن ترك الأسرى والتخلي عنهم وهم كانوا يقاومون، وترسانة الأسلحة هي لحماية لبنان في استراتيجية لحماية لبنان.
وأكّد نصر الله عدم امتلاك حزب الله جهازاً أمنياً في لبنان، بل هناك جهاز أمني في الجنوب للاستطلاع، وجهاز أمني لحماية كوادر حزب الله، ولا يوجد جهاز يغطي لبنان، لافتاً إلى أن الحزب اكتشف الكثير من الشبكات في الضاحية لأنه يوجد في الضاحية أمن وقائي، «وفي الطرف الآخر يوجد عندهم أجهزة أمنية ويجب أن يكتشفوا». وعن اتهامه إسرائيل، قال إن الاتهام سياسي. وقال إن جوابه دائماً للذين كانوا يطلبون منه حمايتهم من السوريين كان: «أعطوني شواهد على مسؤولية سوريا كي آخذ موقفاً من السوريين».
ولفت إلى أنه طرح على آل الحريري فكرة إنشاء لجنة تحقيق سعودية ــــ لبنانية، وذلك قبل إنشاء محكمة دوليّة، لكن السعوديّة رفضت هذا الاقتراح. وقال إنه أخبرهم بأنه يتكلم مع الرئيس السوري. وقد طلب من الرئيس السوري الموافقة على هذه اللجنة فوافق دون تردد، وهذا ما أُبلغ إلى عائلة الرئيس الحريري.
بدوره، قال عون إن «التيّار» هو أول من طالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية «وأقررنا في التفاهم ما تقرّه السلطات الرسمية، وقد مرّت ثلاث سنوات على بدء التحقيق الدولي ولم نصل الى شيء، وهناك موقوفون يجب النظر بقضيتهم، هناك وسائل أخرى غير توقيفهم مثل منعهم من السفر وإبقائهم في بيوتهم».
وشدّد عون على أن وثيقة التفاهم أمر عظيم جداً إذ «كرست سياسة التفاهم والانفتاح وهذا ملموس على الارض في البقاع والجنوب وشرق صيدا. فقد أزالت خطوط التماس النفسية في عين الرمانة، وحرب تموز كرّست التفاهم وأسقطت تحفظات كثيرة»، مضيفاً «وشخصياً بعد دخول حزب الله الى الحكومة وأنا في المعارضة استغربت وصار عندي تساؤل: هل أنا متهم بالإرهاب أم حزب الله هو المتهم، يبدو أنه غير مسموح لي أنا بأن أتكلم مع حزب الله».
وقال نصر الله عن انتخابات عام 2005: كان هناك التزام مع رفيق الحريري على نواة تحالف، وكنت قد عاهدته، والالتزام الذي أعطاه رفيق الحريري ووليد جنبلاط وبعدهما سعد الحريري للمقاومة كان أكبر من ورقة التفاهم. وقد اختلفنا يومها على من يكون الشريك المسيحي، ولم يكن عندنا أي اعتراض على أن يكون الجنرال عون، وعندما اختلفوا مع العماد عون لم نلتزم مع الطرف المسيحي الآخر وقد تركنا الحرية لقواعدنا الانتخابية. رفضنا أسماءً للقوات اللبنانية ووافقنا على الدكتور إدمون نعيم وخاصة أنه من المنظّرين للمقاومة. وفي خطابنا في بعبدا عاليه كان همنا أن نقول الحرب الأهلية وراءنا.
ونفى نصر الله أن يكون رفيق الحريري قد عرض التناوب على الرئاستين الثانية والثالثة. وأضاف: كان يتكلم عن حكومة شراكة ولكنه استشهد قبل أن نصل الى الشريك المسيحي، وكان أقصى ما يتمناه تطبيق اتفاق الطائف أي خروج الجيش السوري الى البقاع، وبعد عشر سنوات يدرس موضوع إبقاء الجيش السوري أو خروجه. وحيثية البقاء السوري لا دخل لها بالاستقلال والسيادة والانتخابات الحرة بل لها علاقة بالموضوع الاسرائيلي لأن أي حرب ستشنّها إسرائيل على سوريا سيكون محورها البقاع.
وقال عون إنه بغضّ النظر عن موافقته أو عدم موافقته على المواجهة العسكرية فإنه سيكون مع المقاومة، مضيفاً: كنت مرفوضاً في انتخابات 2005 وكانت مرفوضة عودتي كي لا أخرّب الحلف الرباعي. وقد قيل لي: ابقَ زعيماً شعبياً. وفي المفاوضات كان كل همّهم أن يعطوني 6 أو 7 نواب، فأدركت أنهم يريدون تحجيمي، وقلت لمروان حمادة أنتم لن تعطوني، أنا سأخوض الانتخابات وآخذ نوابي. وقلت لوليد جنبلاط ربحت بعض المقاعد السياسية ولكنك ستنزوي في الجبل، وقلت لحزب الله لقد خسرتم بعداً استراتيجياً ولكن لم تتدهور علاقتنا، وفي خطابي في حزيران في المجلس تكلمت عن البؤر الامنية ولكن ليس عن المقاومة، وسألت المقاومة أن تحدد الأرض والاهداف، وهذا ما حصل في ورقة التفاهم.
وقال نصر الله: لم يعد هناك أي مربع أمني، لم يبق لنا بيوت في الضاحية، والدولة موجودة في الضاحية كما في أي منطقة.
وأضاف عن ترشيح عون للرئاسة إنه جرى نقاش في قيادة الحزب التي دعمت ترشيح الجنرال، وكانت الخلفية السياسية لها علاقة ببناء البلد وبشخصية العماد المستقلة، وطبعاً هذا الموقف كان منسجماً مع قواعدنا التي كانت تؤيّد الجنرال بنسبة 99%، وطرحنا الموضوع مع الجنرال وقلنا له إن موضوع الاعلان رسمياً بتصرفك، وطبعاً كان رأي الجنرال عدم الاعلان لتكتيك سياسي عنده. مضيفاً ان حزب الله ابلغ البطريرك والسفير البابوي وبعض السفراء دعم ترشيح الجنرال عون، مشيراً إلى أن «موقفنا تجاه اعلان الجنرال مرشحاً كان سيستخدم ضد الجنرال عون لأن الطرف الآخر كانت نواياه غير سليمة».
وأكد عون أنه لم يرد إعلان الدعم لكشف نوايا الآخرين. وقال إنه طرح على الاميركيين مقابل الحديث عن سلاح حزب الله الكلام أولاً عن تحرير مزارع شبعا، مضيفاً: الاميركان لم يكونوا يحسبون أن نصل الى تفاهم مع حزب الله، ولم يصدقوا قدرة حزب الله على الالتزام، وأن المقاربة بالقوة غير ممكنة، ولكنهم كانوا واثقين من الوعود الحكومية، وليس هناك من علاقة لزيارتي لواشنطن بالتقارب مع حزب الله، فقد كانت العلاقة بدأت من قبل.
وأوضح نصر الله: كان عندنا رغبة في التفاهم مع كل التيارات، وحرصت على أن أرسل (لعون) الى باريس النائب حسن فضل الله، الذي أخذ له رسالة شخصية مني بأننا إذا تحالفنا فنحن شرفاء في التحالف وشرفاء في الخصام. لم يكن عندنا أي مانع من التحالف مع التيار الوطني الحر في الانتخابات. وبعد الانتخابات وبعد تأليف الحكومة وقبل أي خلل في التحالف الرباعي، وفي الحكومة بدأ الحوار عبر لجان مشتركة، واستمر 6 أشهر وخلال هذه الاشهر وقع خلل في الحكومة، وذهب الجنرال الى واشنطن، وكان هذا عرضياً، وإن تزامن مع الحوار الجاري بين التيارين.
وقال عون إن انشقاق الحكومة أخّر التحالف حتى لا يطرح تفسير بأن الجنرال يعمل على الفرقة، كاشفاً أن موعد 6 شباط كان مقرراً قبل أسبوعين، ولم يكن مرتبطاً بأحداث الخامس من شباط في الأشرفية، وأن التفاهم نُحت نحتاً.
وأوضح نصر الله أن حزب الله لم يذهب الى التيار أو العكس، بل إن الاثنين تقدما الى نصف المسافة، ونحن وضعنا رؤية مشتركة لبناء الدولة، وإذا لم تطبق بعض نقاط التفاهم فلأن الحكومة يجب أن تطبقها.
ورأى نصر الله أن وثيقة التفاهم هي المسوّدة الرئيسية التي أسّست لطاولة الحوار التي ناقشت أغلب بنود الوثيقة. وقال عون إن ما حصل في التفاهم أنهى آثار العنف الذي حصل قبل 24 ساعة في الأشرفيّة. ولفت الى أن حوادث الأحد هي معمودية الدم لهذا التفاهم التي «اجتزناها بسلام والأحد الذي يليه كان مظاهرة طبيعية للوحدة والوطنية وليس مناسبة سياسية».
وقال نصر الله إن تقرير فينوغراد لا يقصد أن ينصف اللبنانيين بل هو لمصلحة إسرائيل وتصحيح الأخطاء، والذي أخفي هو أكبر بكثير.

موافقة الزعيمين استغرقت... ثواني

إذا كان الجنرال ميشال عون قد احتاج إلى خمس ثوان للتفكير قبل إبداء موافقته على إجراء مقابلة تلفزيونية مشتركة مع السيد حسن نصر الله، فإن الأخير لم يحتج إلى أكثر من ثانية ليوافق.
هذا ما يكشفه الزميل جان عزيز عن بدء التحضير للمقابلة، التي وُلدت فكرتها قبل 5 أسابيع خلال جلسة جمعته ورئيس مجلس إدارة «أو تي في» روي الهاشم مع عضو لجنة الاتصالات السياسية في «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
يقول عزيز إن التردّد ساد بداية مع اقتراحه استضافة الشخصيتين لسببين: الأول أمني، والثاني نفسي «فالإعلاميون يتخوّفون من جمع زعيمين بهذا الحجم». لكن حالة التردد لم تطل وتمّ الاتفاق على عرض الفكرة أولاً على الجنرال.
بعد موافقة عون، «طُلب» منه أن يتولّى هو إقناع نصر الله. ولأنّ باسيل كان متجهاً لزيارته، تولّى هو نقل الاقتراح وحمل الموافقة السريعة عليه. ويقول عزيز إن ردّ فعل نصر الله كشف أن الهاجس الأمني لم يكن مبرّراً: فقد اقترح أن تكون الحلقة مباشرة على الهواء وتتخللها اتصالات مشاهدين، وكان التحضير يجري على هذا الأساس لو لا الأحداث الأخيرة. يُذكر أن المقابلة سجّلت ليل أول من أمس في مكان لا يعرفه عزيز لكنه يوحي أنه قد يكون «تحت الأرض». فخلاصة الحوار جعلته يتساءل: «من قال إن السماء قد لا تكون تحت الأرض». وفيما استغرقت المقابلة أربع ساعات تسجيل من دون مونتاج، فإن الجلسة طالت لثماني ساعات استبقى فيها السيّد ضيوفه إلى مائدة العشاء ولم يغادروا إلا مع ساعات الفجر الأولى.
لم يلتق عزيز بنصر الله إلا لحظة التسجيل، وهو حاول ألا يضع أفكاراً مسبقة عما سيكون عليه اللقاء «سلّمت عليه ودّياً وفوجئت بأنه لاقاني بالعناق والقبلات. هذا الرجل عنده قدرة على كسر كلّ الحواجز». وعن سؤال تقويمي: أيّ من الرجلين كان الأكثر قدرة على سرقة الكاميرا يضحك عزيز ويجيب «الحلقة كانت تكاملية بين الشخصين».