رندلى جبورتمت الخطوة الثانية في رحلة انفتاح التيار الوطني الحر على بيروت، ولكن يبدو أن مشروع التيار أكبر من مجرد انفتاح كعنوان عام، وزيارات ممثليه نواباً ومسؤولين إلى المراجع البيروتية، بتكليف من العماد ميشال عون، يمكن أن تمثِّل انطلاقاً «نحو الآخر» خارج نطاق المزاج ووفق مبدأ النسبية والمرحلية، الذي يرتقي بالواقع العائلي والطائفي والمذهبي والمناطقي، مروراً بالمواطنة، وصولاً إلى العلمنة.
على هذا الأساس مثَّل القانون الانتخابي مساحة نقاش واسعة مع مرجعيات الجولة الأولى، التي شملت الرئيس سليم الحص وحزب الله وحركة «أمل» والاتحاد البيروتي وخالد الداعوق والحزب الشيوعي والوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة وريا الداعوق. «اختلافات بسيطة وضرورية في وجهات النظر، ولكن في العمق لا خلاف» بين أطياف المعارضة والمقربين منها التي هي «في صدد إعداد مشروع لتنظيم وضعها الداخلي ولبرمجة الحالة المقبلة» بحسب أحد أعضاء الوفد العوني.
«في المبدأ، التيار يؤيد النسبية، ولكن حتى الوصول إلى النسبية يجب أن يخضع للتمرحل»، ويمكن أن تكون البداية، وفق أحد أعضاء الوفد العوني، من قانون 1960 الذي وصفه بـ«المريح ويمثِّل أكبر مساحة التقاء بين الأفرقاء».
وثيقة التفاهم بين التيار وحزب الله كان لها حصة في كل الأحاديث، مع ما تشكله من قاعدة جيدة لبناء الدولة المدنية الحديثة، فيما يبقى مفتاح الحل الذي شدد عليه الرئيس الحص هو إبقاء باب الحوار بين جميع الأفرقاء مفتوحاً مهما تأزمت الحالة، فيما سجلت الصلح موقفاً من الحكومة الحالية بعيداً من الإعلام لتؤكد أنها ليست فقط مهملة للقضايا السياسية الكبرى، بل هي تهمل الشأن الاجتماعي وتبتعد عن كل المشاريع التنموية والإنماء المتوازن الضروري.
ونقل عنها مصدر من الوفد تشديدها على وضع حد للحالة المهترئة من خلال تصويب الحكم لأنه «لا يجوز أن يبقى البلد برؤوس عديدة، بل يجب أن يعود الرأس إلى السلطة»، والحل هو في التوافق الداخلي أولاً ثم في الحل الإقليمي سورياً ـ سعودياً من جهة وسورياً ـ أميركياً من جهة أخرى.
وكانت المائدة التي جمعت الوفد العوني إلى مضيفيه من آل الداعوق بيروتية صافية، ضمت عدداً من شخصيات العاصمة. وكان الحديث على لسان البيروتيين، ومنهم النقيب عاصم سلام والوزير المستقيل يعقوب الصراف وخالد الداعوق وطلال الداعوق وأحمد طبارة والزميل حسن الخليل عن ضرورة خروج بيروت من «الملكية العائلية» إلى الحالة الوطنية التامة وملء الفراغ السياسي الحاصل والمعبّأ فقط بـ«فزيعة» اسمها الصراع السني ـ الشيعي، وابتعاد البيروتيين عن السلاح. وسُجل خوف على مستقبل لبنان ومستقبل المسيحيين فيه، وخصوصاً أن المشكلة الداخلية، وهي الطائفية والمذهبية، متجذرة، ولبنان محاط بمشكلات كبرى أخرى أيضاً، كالصراع العربي ـ الإسرائيلي والوجود الفلسطيني على الأراضي اللبنانية والمشاكل الإقليمية والمشروع الأميركي والعلاقة مع سوريا وعروبة لبنان. وجرى تركيز على الحاجة إلى خطاب المواطنة والعلمنة.