أنطوان سعدأثار البرنامج المعلن عن زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى لبنان لتقديم التهاني لنظيره اللبناني العماد ميشال سليمان، بمناسبة انتخابه، استياءً في الأوساط المسيحية، وبخاصة المارونية، لأنه يستثني زيارة، ولو خاطفة، إلى البطريرك الماروني نصر الله صفير. وقد تحركت فاعليات عدة في لبنان وفرنسا لتدارك هذا الاستثناء والقيام بالاتصالات اللازمة لإعادة إضافة محطة بكركي إلى برنامج الزيارة الحافل دون شك.
فالرئيس الفرنسي سوف يصل إلى مطار رفيق الحريري الدولي برفقة وفد كبير يناهز الخمسين أو الستين شخصاً، ويحظى باستقبال رسمي على أرض المطار من الرئيس اللبناني. ومن ثم ينتقل مع مضيفه إلى القصر الجمهوري لإجراء محادثات يتبعها حفل غداء يشارك فيه مئة وثلاثون مدعواً، وبعدها ينتقل إلى الجنوب لتفقد القوة الفرنسية العاملة في إطار القبعات الزرق، على أن يمر بقصر الصنوبر للاجتماع بالجالية الفرنسية في لبنان لوقت وجيز، يتوجه بعده إلى المطار حيث يعقد مؤتمراً صحافياً ويغادر الأراضي اللبنانية في تمام الرابعة والنصف.
وفيما الجهود والاتصالات مستمرة لإقناع الرئيس الفرنسي بإطالة زيارته إلى لبنان لكي يصبح من الممكن إضافة محطة بكركي إليها، لأن الساعات المخصصة لها حتى الآن لا تكفي بالأساس لتنفيذ البرنامج المعلن، تكشف الأوساط التي تتابع الموضوع في العاصمة الفرنسية عن بلورة فكرة أن يتصل الرئيس الفرنسي بالبطريرك الماروني، ويعتذر عن عدم تمكنه من التوجه إليه. ويوضح أن زيارته إلى لبنان لم تكن مقررة في الجولة التي يقوم بها، ولكن تسارع الأحداث وانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية حفّزته على المجيء لتقديم التهانئ، غير أنه غير قادر على إطالة إقامته في بلد الأرز لارتباطه بمواعيد سابقة. وكان المسؤولون الفرنسيون يبحثون في إمكان ترتيب لقاء بين البطريرك صفير والرئيس ساركوزي في القصر الجمهوري، لكن تبين أن رؤساء الطوائف ليسوا حتى الآن مدعوين إلى مأدبة الغداء التي يقيمها الرئيس سليمان على شرف ضيفه. غير أن الأوساط اللبنانية الناشطة في باريس ولبنان تقول إنها لم تفقد الأمل في إمكان إضافة محطة بكركي إلى برنامج زيارة الرئيس الفرنسي.
وتكشف هذه الأوساط أنها ذكرت الدبلوماسيين الفرنسيين بالتقليد القائم بأن يزور كل مسؤول فرنسي بكركي عندما يأتي إلى لبنان مستذكرة العلاقة التاريخية بين البطريركية المارونية وفرنسا وزيارات الرئيس السابق جاك شيراك الذي شارك في الصلاة في بكركي يوم الجمعة العظيمة سنة 1996 والجنرال شارل ديغول، «بطل التحرير» الذي تكبد مشقة زيارة البطريرك أنطون عريضة في الديمان. وتنقل الشخصيات المشار إليها عن الدبلوماسيين الفرنسيين الذين راجعتهم في الكي دورسيه تشديدهم على أن الدولة الفرنسية تكن احتراماً وتقديراً كبيرين للبطريرك صفير الذي حاز من الرئيسين الفرنسيين السابق فرنسوا ميتران وجاك شيراك أرفع وسامين في الجمهورية الفرنسية لم يسبق أن حصل عليهما معاً شخص آخر.
كما نقلت عن هؤلاء الدبلوماسيين وهم من المتعمقين في تاريخ العلاقات اللبنانية ـــــ الفرنسية أسفهم لعدم بذل رئيسهم المجهود الكافي لإجراء التعديلات المطلوبة على مواعيده كي يتمكن من مقابلة البطريرك الماروني، واعتقادهم أن «أكثر ما يهم الرئيس ساركوزي في الواقع هو التقاط صورة مع القوة الفرنسية في جنوب لبنان»، لكي تنشر في الصحافة الفرنسية في إطار سياسته القائمة على الدعاية والصور والإعلان وتسويق الذات. وهي السياسة التي يتميز بها عهد الرئيس الفرنسي الحالي منذ بدايته.
وفي معرض التساؤل عن ضرورة أن يزور الرئيس الفرنسي الزائر الصرح البطريركي، يروي أحد الفرنكوفونيين اللبنانيين المخضرمين قصة رئيس الحكومة الفرنسية جوزيف كايو الذي مرّ في جبل لبنان قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى أثناء جولة له على المشرق، وقرر زيارة البطريرك الياس الحويك في بكركي في يوم حار من شهر أيار. كانت الطريق لا تزال ترابية، ما أثار الكثير من الغبار لدى مرور العربة عليها، فانزعجت زوجته التي كانت امرأة ذات شخصية قوية لدرجة أنها أقدمت على قتل مدير جريدة لوفيغارو لأنه شن حملة تشهير على زوجها، بعد أشهر قليلة على تلك الرحلة. وعندما تساءلت عمن هم الموارنة وعن جدوى تكبد هذه المشقة لزيارة بطريركهم، أجابها الرئيس كايو: «إن الموارنة كاثوليك من الشرق، وهم لا يخضعون للخدمة العسكرية الإجبارية، ولا يدفعون الضرائب، ومع ذلك لا يعجبهم العجب».
يبقى أنه لا بد من تسجيل مفارقة هي أن السيدة كارلا براوني لن ترافق زوجها في رحلته إلى لبنان، وليس أكيداً، في أية حال، أنه إذا سألته عمن هم الموارنة سيحسن الجواب.