الطرفان تموّنا بأسلحة وذخائر وسلفيّون عادوا بأموالٍ ضخمةأسئلة كثيرة تُطرح عن أسباب تجدد اشتباكات طرابلس، بعدما ظن المواطنون أن الهدنة التي أعقبت حوادث 22 و23 حزيران الماضي ستمتد طويلاً. تفجر الأوضاع بدد أجواء التفاؤل، وأعاد الأمور إلى الصفر
طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
وكما في كل مرة، تبادل الطرفان في جبل محسن والتبانة الاتهامات عن مسؤولية خرق الهدنة وافتعال مشكلات يومية (رمي قنابل يدوية، إطلاق رصاص، سرقة وحرق محال تجارية وبيوت، الاعتداء على مواطنين...)، إلا أن رواية الجهتين تقاطعت على أن قنبلة ألقيت قرابة الحادية عشرة من ليل أول من أمس في محلة بعل الدراويش الفاصلة بين المنطقتين، تبعها إلقاء قذيفة إنيرغا وتبادل لإطلاق النار، قبل أن تعنف الاشتباكات وتسفر عن 4 قتلى و53 جريحاً حتى عصر أمس، الذي شهد تراجعاً في الاشتباكات مع سيطرة أجواء الحذر.
وكانت شائعات سرت قبل يومين من اندلاع الاشتباكات قد رجّحت تجددها. ولفتت أوساط المجموعات المسلحة في باب التبانة إلى أن «المسألة ليست محض محلية»، رابطة ما يحصل «بتأخير تأليف الحكومة، لأنه إذا تعثرت ولادتها نتيجة الخلافات السياسية، فستتأزم الأوضاع عندنا أكثروأشارت جهات متابعة إلى أن الاشتباكات تأتي «بعد استراحة محارب، تزود خلالها الطرفان أسلحة وذخائر»، وتحدثت عن «زرع مدافع هاون في أكثر من موقع على محاور الجبهات، ما يعني أن الأمور لن تقف عند هذا الحد حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، لأنه سيكون شكلياً بوجود قرار غير معلن بإبقاء جبهة باب التبانة ـــــ جبل محسن مشتعلة».
غير أن مصادر سياسية أوضحت لـ«الأخبار» أن «ما يحصل في طرابلس يتركز على أمرين: الأول متعلق بالصراع داخل الأجهزة الأمنية، وتحديداً بين الجيش واستخباراته من جهة، وقوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات من جهة أخرى، على خلفية سياسية أولاً، وثانياً على خلفية تنافسية بين الطرفين للإمساك بالقرار الأمني وبالتالي القرار السياسي في البلاد. وإن كان أغلب الأطراف يجمعون على أن الجيش هو المؤهل لضبط الوضع، من غير إغفالهم وجود أطراف أخرى تسعى لإعطاء قوى الأمن الداخلي دوراً موازياً».
أما السبب الثاني، في رأي المصادر، فعائد إلى «تواتر المعلومات عن الربط بين تأخير تأليف الحكومة والتوتير الأمني في طرابلس، وخصوصاً أن المشكلة الأمنية في عاصمة الشمال مقيمة فيها، وليست عرضية، ويمكن تحريكها عند الضرورة لتحقيق مآرب معينة».
وفيما حذّرت المصادر مِن أن «مَن سبّب اندلاع الاشتباكات قد لا يستطيع إيقافها، ولا دفع أثمان تداعياتها، ولا حتى الانسحاب منها بعد تورطه فيها، مثلما حصل في حوادث الأشرفية»، كشفت أن مجموعات إسلامية تدعمها قوى الموالاة، فضلاً عن «أفواج طرابلس»، «أسهمت في تأجيج الوضع في أحياء باب التبانة والقبة والمنكوبين، بالتزامن مع عودة شخصيات سلفية زارت السعودية أخيراً، وعادت منها بمبالغ مالية ضخمة، بغية إبقاء جذوة التوتر متّقدة في طرابلس، وجاهزة للتطوير عند الحاجة»، وأت «أنه حتى لو تألفت الحكومة، فإن طرابلس وأحياءها ستبقى تعيش هذه الأجواء المضطربة إلى ما بعد الانتخابات النيابية
المقبلة».
في غضون ذلك، تحدث شهود عيان إلى «الأخبار» عن «انتشار مسلحين ملتحين في محيط تعاونية ريفا في القبة، ينتمون إلى إحدى مجموعات التيار السلفي».
إلا أن مصادر سلفية معنية أكدت أن «هذه المجموعات من أهالي المنطقة، وأن إصبع الاتهام يجب أن يوجّه أساساً إلى من حرّض وموّل هذه المجموعات وغيرها، بعدما وصلتنا معلومات عن قيام جهات معروفة بالتحريض المذهبي والدعم بالمال والسلاح، ما جعلنا نتوقع حصول تدهور».
ورأت المصادر السلفية أن «الهدف من رفع منسوب التوتر الأمني هو محاولة كل طرف تسجيل نقاط على الطرف الآخر، لأنه ليس في وسع أي منهما حسم الأمور ميدانياً أو استثمارها سياسياً».
من ناحيته، أكد مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديموقراطي رفعت علي عيد لـ«الأخبار» أنه «لا مصلحة لنا البتة في ما يحدث، ولم نفتعل المشكلة، بل هناك اعتداءات يومية ضدنا تتكرر ليلياً، من غير أن يضع أحد حداً لها، ونحن نمارس أكبر قدر من ضبط النفس».
وتحدث عن «معلومات وصلتنا أفادت أن أحدهم أراد الاحتفال بمناسبة خاصة، فصمم على أن لا يترك العلويين ينامون تلك الليلة!».
إلا أن عيد الذي اعتذر عن عدم لقاء مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار «لظروف أمنية»، وأعلن أنه وضع نفسه «في تصرفه، وما يقوله نمشي به»، رأى أن «سبب التوتير تعثر تأليف الحكومة، والهدف حجب الأنظار عن الخلافات داخل فريق الأكثرية، وأن بعض الجهات في طرابلس تعمل على إبقاء المشكلات قائمة معنا، لاعتقادهم بأن حرباً مع العلويين تسهم في استقطابهم للشارع السنّي».
بدوره، قال عضو مجلس بلدية طرابلس السابق وأحد فاعليات باب التبانة، بلال مطر، إن «الوضع لا يبشر بالخير، ونحن متخوفون من الوقت الضائع الذي يمر بلا تسوية حقيقية، وفي ظل هدنة هشة. إن المطلوب مساع جدية لوقف التدهور».
وتساءل: «إذا كان هناك تجاذبات بين القوى السياسية لتحسين وضعيتها قبل تأليف الحكومة وإجراء الانتخابات، أما من ساحات أخرى غير باب التبانة وطرابلس لتأمين ذلك!؟».


رصاص طائش

تتركز الاشتباكات في طرابلس عادةً بين باب التبانة وجبل محسن، وتحديداً في محيط شارع سوريا الذي تحوّل إلى خط تماس بين الفريقين، وتوسعت أخيراً إلى مناطق أخرى، كالقبة والمنكوبين والزاهرية وبولفار نهر أبو علي، وطريق طرابلس ـــــ عكار الدولية امتداداً من طريق المئتين وصولاً إلى البداوي، الذي سقطت فيه قذائف ورصاص طائش، فيما حاول مسلحون موالون الاستيلاء على أبنية فيه تطلّ على جبل محسن. إلا أن الرفض الفلسطيني دفعهم إلى التمركز في المنكوبين التي شهدت موجة نزوح واسعة.
وقد أسهم في توسّع رقعة الاشتباكات دخول أطراف جدد على خط المعارك، واستخدام أسلحة جديدة فيها، وخصوصاً رصاص القنص الذي كان أمس يومه المشهود، وكان هو السبب الرئيسي وراء سقوط قتلى وجرحى.