عمر نشابة
يستمر بعض العسكريين والضبّاط التابعين لأجهزة أمنية رسمية في لبنان بتعذيب الموقوفين لديهم بهدف انتزاع إفادات أو لأسباب أخرى. ويدعو الناشطون في مجال حقوق الانسان والحريات العامّة الى معاقبة المعذِّبين. ويذهب بعض الناشطين أحياناً الى حدّ المطالبة بما يشبه «تعذيب» الذين يعذِّبون كي لا يكرّروا أفعالهم. القضاء يحدد نوع العقوبة لمرتكبي جرم التعذيب خلال الاستجوابات، لكن هل تطبّق العقوبة في لبنان كما ينصّ عليها القانون؟
على الوسيلة العقابية التي يدل عليها القانون أن تتلائم مع الهدف الأساسي للعقوبة وهو التصحيح والتغيير. هل تستطيع السجون اللبنانية تصحيح الشواذ وحماية المجتمع ممّن يتعدّى على القانون، وهل تستطيع السجون العسكرية تغيير أساليب رجال الأمن الذين يعتمدون التعذيب؟
لرجال الأمن مناسبات كثيرة لتعذيب الموقوفين من دون معرفة السلطات القضائية أو الشرطة العسكرية أو أجهزة التفتيش. لذا ينبغي درس ظاهرة التعذيب في لبنان في شكل دقيق بدل تقديم مقترحات سطحية. فلرجل الأمن الذي يعتمد التعذيب دوافع قد نجهلها. وتحديد تلك الدوافع يعتبر الخطوة الاولى نحو معالجة جدّية لمشكلة التعذيب.
تندرج دوافع التعذيب تحت الظروف التالية: 1- وضع نفسي لرجل الأمن يتطلّب علاجاً من اختصاصيين ومراقبة مستمرّة بعد انتهاء العلاج. ويمكن متابعة علاج خاص في أماكن تُخصّص لهذه الغاية وقد يعود رجل الأمن الى مهماته بعد إتمام فترة العلاج وبعد إجراء فحوص لوضعه النفسي. إشارة هنا الى وجوب اجراء فحوص دورية للوضع النفسي لكل رجل أمن يتعاطى مع المواطنين في شكل مباشر. 2- تطبيق رجل الأمن أوامر تسمح وربّما تشجّع التعذيب وفي هذه الحال تأتي المعالجة عبر تفعيل أجهزة التفتيش والمراقبة والشرطة العسكرية. 3- اقتناع رجل الأمن بأن الموقوف أو المحكوم يستحق التعذيب، وذلك الاقتناع منتشر في المجتمع اللبناني، وخاصّة اذا كانت الجريمة تتميز بدرجة عالية من العنف والقتل أو التحرّش الجنسي. وهنا تظهر الحاجة الى دراسات في علم النفس الاجتماعي لتصميم برامج تربويّة وتوجيهية توضّح مفهوم العقاب وأساليبه الحديثة.