strong>عمر نشّابة
بعد شهر واحد من وقوع جريمة عين علق، أعلن وزير الداخلية في مؤتمر صحافي تبع جلسة لمجلس الوزراء، القبض على الجناة، وقال إنهم اعترفوا لرجال الأمن بأنهم نفّذوا الجريمة. وبما أن ذلك اعتبر «كشفاً للحقيقة» تُطرح تساؤلات اليوم عن وظيفة القضاء والمحاكم... هل هي لتأكيد ما تكتشفه الأجهزة التابعة للسلطة التنفيذية؟ وما معنى سرية التحقيقات؟ وما الفرق بين تقرير إجرائي عن التحقيقات وكلام وزير الداخلية؟

في 13 شباط الماضي وقعت جريمة إرهابية استهدفت حافلتين لنقل الركاب في المتن وعلى الأثر استشهد ثلاثة مواطنين وجرح العشرات. وعند انطلاق التحقيقات لمعرفة الفاعلين طلبت السلطات اللبنانية المساعدة التقنية من لجنة التحقيق الدولية في تجميع الأدلة الجنائية وكشف الجريمة.
وعاين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد وقاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر وقاضي التحقيق العسكري جورج رزق موقع الجريمة ساعات قليلة بعد وقوعها. وادّعى فهد على «كلّ من يظهره التحقيق أنهم أقدموا على تأليف عصابة بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها وعلى صنع مواد متفجرة واقتنائها وحيازتها واستعمالها، والتصرّف والقيام بأعمال إرهابية بواسطتها وأنهم أقدموا بتاريخ 13-2-2007 على ارتكاب عمليتي التفجير الإرهابيتين في بلدة عين علق ــ الطريق العام، ما أدّى الى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين وإلحاق الضرر بالسيارات والممتلكات والطرق العامة، وهي الجرائم المنصوص عليها في المواد 335 و549 و549/201 و733 و595 عقوبات والمادتين 5 و6 من قانون 11-1-1958 والمادة 72 أسلحة، وأحال الادّعاء على قاضي التحقيق الأول رشيد مزهر». وبعد ظهر يوم وقوع الجريمة نصبت وزارة الأشغال العامة خيماً في مسرح الجريمة، بطلب من لجنة التحقيق الدولية، وذلك لحماية الأدلة الجنائية من العوامل الطبيعية وللحفاظ على السرّية.
سرّية التحقيق واستقلالية القضاء
في تقريرها السادس ذكرت لجنة التحقيق الدولية الفقرة التالية «وصل التحقيق في اغتيال رفيق الحريري مرحلة حساسة ومعقدة، ولا يمكن اللجنة أن تضطلع بعملها إلا في إطار من السرية من أجل تهيئة بيئة آمنة للشهود ولموظفيها. واللجنة والمدّعي العام في لبنان ما زالا متفقين اتفاقاً تاماً على هذا الموقف» (الفقرة 115). ولم يعقد رئيس اللجنة سيرج براميرتس مؤتمرات صحافية منذ بداية عمله التزاماً بما تنصّ عليه تلك الفقرة. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كشف وزير الداخلية عن تفاصيل التحقيقات وبعد حضور المدّعي العام القاضي سعيد ميرزا مجلس الوزراء حيث بُحث هذا الشأن، هو: إذا تبيّن ان هناك علاقة بين تفجير عين علق وجريمة اغتيال الحريري، ألن يعتبر ذلك خرقاً واضحاً للفقرة 115 وللاتفاق المذكور؟
تحدّث وزير الداخلية حسن السبع، خلال المؤتمر الصحافي الذي تبع اجتماع مجلس الوزراء الأخير، عن التحقيقات الجارية في جريمة عين علق، وقدّم تقريراً تجاوز الطابع الإجرائي ودخل في تفاصيل التحقيق وهوية الموقوفين وانتمائهم السياسي والعقائدي ودوافعهم وارتباطاتهم ومصادر تمويلهم ونشاطهم الجرمي. ونقل بعض القانونيين والسياسيين اللبنانيين أن ذلك يُعتبر تجاوزاً لصلاحياته ودوره وزيراً للداخلية ضمن السلطة الإجرائية، إذ إنه ليس متحدّثاً باسم السلطات القضائية المشرفة، بحسب القانون، على التحقيقات الجنائية. وقال رئيس سابق لمجلس الوزراء إن السلطة الإجرائية المتمثّلة في مجلس الوزراء لا يجيز لها نظام الدولة أن توجّه اتّهامات الى مشتبه في تورّطهم في جرائم، مهما كانت نسبة الدقّة في التقارير الأمنية وملفّ التحقيق.
وكان قد دعي لحضور جلسة مجلس الوزراء المدّعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ورئيس فرع المعلومات المقدّم وسام الحسن. و«تشمل سلطة النائب العام لدى محكمة التمييز جميع قضاة النيابة العامة بمن فيهم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية» (المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، واللافت عدم حضور المسؤول والمشرف على التحقيقات في جريمة عين علق وهو قاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر الى جانب المدّعي العام بينما حضر رئيس فرع المعلومات المقدم وسام الحسن الى جانب المدير العام لقوى الأمن اللواء ريفي.
واللافت أيضاً عدم حضور القاضي ميرزا المؤتمر الصحافي. وينصّ القانون على أنه «على كلّ من النائب العام الاستئنافي والنائب العام المالي ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي والمدير العام للأمن العام والمدير العام لأمن الدولة أن يبلغوا النائب العام لدى محكمة التمييز عن الجرائم الخطرة التي علموا بها وأن يتقيّدوا بتوجيهاته في شأنها» (المادة 16)، وبالتالي القاضي ميرزا يُعتبر المرجع الأوّل في موضوع تحقيقات جريمة عين علق لا وزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن. وفي هذا السياق يعتبر قانونيون متابعون للتحقيقات أن حديث السلطات السياسية والأمنية الإجرائية عن التحقيقات وليس السلطات القضائية يقلّل من ثقة المواطنين بدقّة المعلومات لأن عدداً كبيراً من اللبنانيين يعبّر باستمرار عن تشكيك في شرعية الحكومة بعد انسحاب ربع الوزراء منها.
ولاحظ المتابعون أن المؤتمر الصحافي الذي تبع مجلس الوزراء لم يأتِ على ذكر قرينة البراءة بل على العكس قال المدير العام لقوى الأمن «نحن نتعاطى مع مجموعة ثبت ارتكابها جريمة إرهابية في لبنان ونتعاطى مع هذه المجموعة بسبب دورها الإجرامي الإرهابي»، بينما السلطة الوحيدة المخوّلة «تثبيت ارتكاب الجرائم» هي السلطة القضائية المستقلّة، بحسب القانونيين. وفي هذا الإطار شدّد بيان مجلس الوزراء الذي تلاه وزير الإعلام غازي العريضي لحظات قبل تصريح ريفي، على استقلالية القضاء.
أمن الشهود في التحقيقات
تحدّث الوزير السبع عن عملية التوقيف فقال «توصّلت شعبة المعلومات في عملها الاستعلامي والاستقصائي الى تحديد شخص معيّن حامت حوله الشبهات. حصل اتصال بالنيابة العامة التمييزية وأُخذت الموافقة من النائب العام لاستجواب هذا الشخص، وعند استجوابه سئل عن مكان إقامته فقال إنه كان يسكن في منزل معيّن. كان في هذا المنزل 5 أشخاص سوريين ليل 13-2، وكان هناك معرفة بين هذين الفريقين، فقالوا له اسكن في هذا المنزل لأننا سننتقل الى منزل آخر. وخلال استجوابه أفاد أنه عندما تسلّم المنزل جاء شخص سوري وأخذ كيساً رأيت فيه مادة تي. إن. تي. أعطى اسم شخص تمكّنت شعبة المعلومات من توقيفه وتبين أن هذا الشخص هو أحد الأشخاص الذين وضعوا العبوة في الباص الأول»، بينما أعلن الوزير خلال المؤتمر الصحافي عينه أن هناك شخصاً مشتبهاً فيه «ما زال متوارياً» وهو أحد واضعي القنبلتين في حافلة ركّاب عين علق، وهذا يفترض أن التحقيقات ما زالت مستمرّة. لكن اللافت ان المعلومات التي أدلى بها السبع في الفقرة أعلاه، بما تتضمّنه من تفاصيل عن شاهد أدلى بمعلومات قيّمة الى المحقّقين قد تعرّض الشاهد لخطر الاستهداف، من جانب الشخص المتواري أو غيره، وخصوصاً مع غياب برنامج لحماية الشهود وبعد اتّهام السبع «المجرمين» بأنهم تابعون لمجموعة مسلّحة.