علي محمد
أن يترك الإنسان أرضه الغنيّة ويغادر خوفاً صوب المجهول، تاركاً وراءه منزلاً وعائلة وأشياء صغيرة يصعب فراقها. أن يضطر الإنسان إلى هجرة بلده لأسباب قاهرة، أمور يعرفها اللبنانيون جيداً بعد أن عاشوها أكثر من خمس عشرة سنة، لكن بعضهم ينسون فجأة تجربتهم القاسية ويتعاملون بشدّة مع نازحين إلى بلدهم

يومياً، يدخل إلى لبنان بطريقة غير شرعية عشرات العراقيين هرباً من عراقهم الملتهب. وبدأت قضية هؤلاء تثير اهتمام الرأي العام العالمي والمعنيين بحقوق الإنسان، وخصوصاً أن الحكومات اللبنانيّة المتعاقبة لم توقع بعد المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية اللاجئين، الأمر الذي يعطيها الحق بتوقيف هؤلاء بتهمة الإقامة غير المشروعة أو الدخول إلى البلاد خلسة.

تدابير وإجراءات

يشار بداية إلى أن الأمن العام لا يعترف ببطاقات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تعطى للعراقيين اللاجئين بطريقة غير شرعية للاعتراف بوضعهم كأشخاص مهددة حياتهم بالخطر. وتعتمد أجهزة الدولة عند إلقاء القبض على أحد هؤلاء إجراءات التوقيف الاعتيادية قبل تحويلهم إلى النيابة العامة للمحاكمة. وتنص معظم الأحكام الصادرة بحقهم على السجن مدة شهر، ودفع غرامة بقيمة 100 ألف ليرة، ومن ثم يرحّلون إلى بلادهم. وهنا مشكلة أخرى، فالدولة اللبنانية لا ترحل اللاجئين العراقيين على نفقتها (وهذا ليس من واجباتها القانونية أصلاً) بل على نفقة الأشخاص أنفسهم أو المنظمات المعنية. وإذا لم يبادر أحد إلى دفع التكاليف، تبقي الدولة اللاجئين محتجزين في السجون (بعد قضائهم فترة حكمهم) وهذا ما يسمى الاحتجاز «التعسفي» المخالف للقانون الدولي والمحلي على حدّ سواء، علماً بأن السلطات الأمنية تحوّل السجناء العراقيين بعد انقضاء فترة السجن إلى الأمن العام الذي يعطيهم مهلة محددة لتسوية أوضاعهم عبر كفيل، أو أية وسيلة تؤمن للاجئ المبلغ الضروري لسفره إلى موطنه. وإن لم يسوّ العراقي أوضاعه خلال هذه المهلة، يوقف من جديد، ويحاكم بدخول البلاد خلسة أو بالإقامة غير المشروعة ويُسجن.

العودة الطوعية

من جهته، يكشف مستشار السفارة العراقية في لبنان المنهل الصافي لـ«الأخبار» أن سفارتهم شكلت لجاناً للعمل على إعادة العراقيين إلى بلادهم ضمن ما يسمى الإعادة الطوعية. وتزور اللجان الموقوفين العراقيين في السجن وتعمل على تأمين عودتهم إلى العراق (إذا رغبوا في ذلك) بعد أن ينهوا فترة حكمهم. وتتعاون السفارة مع المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لترحيل العراقيين. وأفاد الصافي أن الدولة اللبنانية تبدي مرونة كبيرة في المساعدة، وخصوصاً أن لبنان «ليس بلد لجوء ولا يستطيع أن يستقبل عدداً كبيراً من اللاجئين بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية». أما الموقوفون الذين يختارون السجن بدل العودة إلى بلدهم، فيؤكد الصافي أن السفارة لا تتحمل مسؤوليتهم وبالتالي يبقون في السجن حتى بعد قضاء الحكم.
وعن بطاقات اللجوء التي تصدرها الأمم المتحدة، قال الصافي إن اعتراف لبنان بتلك البطاقات سيكون بمثابة اعتراف ضمني منه بحقوق اللاجئين وواجباته تجاههم، مبدياً تفهمه عدم قبول لبنان بتلك البطاقات لأسباب ديموغرافية وجغرافية.
وفي حديث مع «الأخبار» قالت المسؤولة الإعلامية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لور شدراوي، إن البطاقات التي تصدرها المفوضية لا تجبر الأمن العام على الاعتراف بها طالما أنها ليست صادرة عن الدولة. إلا أنها تساعد في تخفيف خطر الاعتقال لأن بعض نقاط التفتيش تقبلها، وتساعد على تسوية أوضاع الموقوفين. وأشارت شدراوي إلى أن وزارة العدل عممت على القضاة منع الحكم على اللاجئين العراقيين بالترحيل.
أما العراقيون أنفسهم فيقولون إنهم لا يريدون من لبنان سوى الأمان لأن عراقهم أصبح جحيماً. ويروي البعض كيف يستغلهم المهربون، ويهددهم الأمن العام اللبناني، وينتهون بالعودة إلى وطنهم أكثر سوءاً بكثير مما كانوا عليه قبل المغادرة. فيما تشير الأرقام إلى أن أكثر من 520 عراقياً أوقفوا منذ بداية العام الجاري، معظمهم محتجزون تعسفاً لعدم قدرتهم على تأمين أموال السفر أو الكفيل. وتقول إحدى الجمعيات الإنسانية إن طفلاً عراقياً من والدة لبنانية، قبض عليه ومعه بطاقة لجوء من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحكم عليه بمدة توقيفه، ورغم إتمامه الحكم قبل أكثر من شهر ما زالت والدته تحاول عبثاً إخراجه من السجن. فيما فقد طفل آخر يبلغ 14 عاماً أهله في العراق ولم يجد في لبنان غير سجن الأحداث في رومية ليحتضنه.

القوانين والاتفاقيات

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المكرس في مقدمة الدستور اللبناني، على حق كل إنسان بالتماس اللجوء إذا كانت حياته مهددة بخطر. وعملياً يبقى أمن اللاجئين في لبنان رهن التزام لبنان بالعرف الدولي القاضي بعدم إعادة أي فرد قسراً إلى موطنه إذا كانت حياته أو حريته مهددة. وفي أيلول 2003 وقّع لبنان مذكرة تفاهم بين الأمن العام ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اعترف لبنان فيها بحق طالبي اللجوء بالبقاء المؤقت على أراضيه ريثما تسوّى أوضاعهم. وللأمن العام الحق باتخاذ الإجراءات المناسبة في حال مرور سنة كاملة على بقاء اللاجئ في لبنان.