عمر نشابة
سمحت، أمس، قوى الأمن العاملة تحت إشراف القضاء للصحافيين بتصوير موقوفين في قضية على ذمّة التحقيق السرّي (انظر أسفل هذه الصفحة)، وفي اليوم نفسه منع القاضي المنفرد الجزائي في بيروت صحافيين من «الأخبار» ومواطنين من رسم وقائع جلسة محاكمة علنية انعقدت في قصر العدل، لنفتح نقاشاً مستنداً إلى العقل ومقتضيات النظام العادل:
إن الرسوم (السكيتشات) التي تنقل وقائع المحاكم العلنية في البلدان المتحضّرة تنشر في الصحف اليومية منذ القرن التاسع عشر. إذ تبيّن للمشرّعين في العديد من البلدان الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأميركية أن منع الرسم في المحكمة لا يتناسب مع الوعي لحدود السلطة في تحديد الممنوعات من دون التعارض مع مبدأ حرية الإعلام والتعبير. فلا يمكن أن يعطي المشرّع القاضي الحقّ بمنع الحضور من الكتابة خلال المحاكمات العلنية لأن ذلك يتعارض مع علنيّتها. بإمكان الصحافيين إذاً أن يرسموا في مكاتبهم كلّ ما شاهدوه في قاعة المحكمة بناءً على ما دوّنوه من تفاصيل خلال انعقاد المحكمة العلنية، ومن حقّهم نشر الرسوم التي تنقل المشاهدات قبل انعقاد جلسة المحكمة وخلالها وبعدها. لكن لنفترض أن بإمكان القاضي منع المواطنين والصحافيين من الكتابة خلال انعقاد الجلسة، هل يستطيع القاضي، مهما كانت صلاحياته القانونية، تعطيل الذاكرة؟ فهل يحقّ للصحافي الذي يتمتّع بالذاكرة التصويرية (photographic memory) ما لا يحقّ لغيره من الصحافيين الذين لا يتمتعون بهذه المقدرة؟
إن القانون ينصّ على أن المحكمة «تجرى بصورة علنية وشفاهية وإلا كانت باطلة ما لم يقرّر القاضي المنفرد إجراءها سراً». إن مهمّة «الأخبار» وحقّها نقل تفاصيل وقائع جلسات المحكمة العلنية للمواطنين. فالأحكام تصدر باسم الناس، ألا يحقّ لهم أن يطّلعوا على تفاصيلها عبر قراءة نصّ ومشاهدة رسمه؟