البقاع ـ نيبال الحايك
لم تعد طريق ضهر البيدر الدولية معبراً آمناً، فمن لم يعرّض نفسه لخطر الجليد شتاءً هو عرضة لخطر حادث في بقية فصول السنة. وأكثر ما يعوق حركة العبور العدد الهائل من الشاحنات التي تعبر الطريق على مدار الساعة، بمعدل ثلاث شاحنات في الدقيقة الواحدة


تقول أم حسين، صاحبة مخبز صغير على طريق ضهر البيدر، إنها «تشمّ على هذه الطريق رائحة الموت يومياً». لا تخفي تلك السيدة مللها من كثرة الكلام على الطريق الدولية التي أصبحت هاجسها اليومي. وتكاد حالة الملل التي تظهرها أم حسين تلخّص شعور كل من التقيناهم من أهل البقاع. فالقلق ينتابهم في كل «طلعة ونزلة» على الدرب التي تشبه كل شيء إلا الطريق الآمنة للعبور. أكثر من حادث سير يقع يومياً... جرحى وقتلى وأضرار مادية جسيمة تثقل كاهل العابر الذي يسعى لتجنب العبور قدر الإمكان.
مشكلة طريق ضهر البيدر الدولية مزمنة، وقد تكون بدأت منذ أن شُقت عام 1858، حينما أسّس الكونت إدوار دي برتوي، الضابط في البحرية التجارية الفرنسية، مع مجموعة من أصدقائه، شركة «طريق دمشق ـــــ بيروت» التي عرفت لاحقاً باسم «الشركة الامبريالية لطريق بيروت دمشق» بعدما نال مؤسسها امتيازاً من السلطنة العثمانية، حيث عملت الشركة على مدى سنتين في شق وبناء طريق مرصوفة من بيروت الى دمشق مخصصة للعجلات، اصبحت تعرف لاحقاً، وحتى يومنا الحاضر بطريق ضهر البيدر التي يراها البقاعيون غير مختلفة عن الطريق القديمة المرصوفة. فالأخاديد والحفر الكبيرة والصغيرة، والانخسافات المنتشرة على طول الطريق وعرضها مسببة حوادث سير بشكل يومي ومتكرر، متزامنة مع فوضى عبور الشاحنات المختلفة الاحجام والحمولات، محوّلة الطريق الى حلبة «رالي» تتسابق فيها مع السيارات الصغيرة على طريق ضيقة نسبياً.
يقول صاحب احد المحال التجارية على طريق ضهر البيدر الدولية احمد ج. إنه يشاهد يومياً عشرات حوادث السير على الطريق و«أصبح أمراً عادياً لم نعد نكترث له». ويضيف: «بس اسمع صوت خبطة ما بفزع، صرت اعرف انو حادث سير متلو متل غيرو». يحمّل أحمد مسؤولية الحوادث بالدرجة الأولى، للدولة التي «لا تنظم أوضاع الطريق»، ولسائقي الشاحنات.
بالمقابل، يرفض هؤلاء تحمّل المسؤولية، فهم يحمّلون الإهمال المزمن و«وعورة» الطريق الى المسؤولين في وزارة الاشغال العامة «الذين لا يبالون بحياة العابرين ولا يضعون إرشادات للسلامة العامة». فالممر شبه الإجباري لأكثر سكان البقاع يخلو من أي إشارات إرشادية أو حتى إنارة ليلية كاملة. فأعمدة الإنارة تخضع للتقنين بما يعوق الرؤية ليلاً.. ويقول سائق شاحنة نقل خارجي لبناني، وليد سعد (60 عاماً): «أصلّي كلما مررت على هذه الطريق، حتى لا يصيبني مكروه، وأصبحت أخاف عبورها المفروض عليّ يومياً من أجل لقمة العيش». ويؤكد وليد أن سائقي الشاحنات لا يتحملون مسؤولية حوادث السير، ويتابع ان «حركة عبور الشاحنات الكبيرة لا تستوعبها الطريق غير المؤهلة، فهي صغيرة ولا تصلح لأن تكون على خط سير واحد»، ويوضح أن هناك بعض السائقين الذين من اجل جني بعض الاموال يسرعون ويتجاوزون قوانين السير في ظل غياب شرطة السير التي لا تقمع هذه المخالفات» متهماً شاحنات «الكسارات» بعرقلة حركة العبور والتسبب بزحمة سير وحوادث اصطدام.
أما محمود حسن (33 عاماً)، الذي يعمل سائق شاحنة منذ 7 اعوام، فيقول إنه ملّ كثرة الشكاوى التي يقدمونها كل عام للمسؤولين، و«من دون فائدة. فلا أحد يسمع صوتنا، فنحن طالبنا مراراً وتكراراً بتنظيم حركة السير ومراقبتها، وتحديداً مراقبة سير الشاحنات وتنظيمها او فتح معبر خاص للشاحنات في منطقة ضهر البيدر». ويشير محمود الى أن فوضى سير الشاحنات يتحمّلها «السائق وشرطة السير»، لافتاً إلى أنه يسمع بمشكلة العبور على ضهر البيدر منذ ايام والده الذي كان سائق شاحنة قبل نصف قرن».
بدوره، لا يجد رمزي شحادي (40 عاماً) طريق ضهر البيدر معبراً صالحاً لسير مختلف انواع الآليات. ويرى سائق شاحنة منذ 12 عاماً في «مشهد سباق السيارات مع الشاحنات» سبباً في ارتفاع نسبة حوادث السير على الطريق الدولية.
وإزاء هذا الواقع المأساوي على طريق ضهر البيدر فإن كل المراجعات الأهلية لوضع حد لفوضى العبور و«رالي» الشاحنات «فشلت». ويقول رئيس بلدية المريجات فيليب مشعلاني لـ«الأخبار» إن مراجعات عدة سجلت لأجل الحد من حوادث السير بسبب الشاحنات التي تعبر الطريق من دون الالتزام بقرار الوقت المخصص لسيرها، فعدد الحوادث يزداد يوماً بعد يوم، والمسؤولون غائبون عن هذه المشكلة التي تتفاقم يومياً».
ووجّه مشعلاني نداء لحل هذه المعضلة التاريخية «رحمة بالمواطن العابر للطريق الحيوية للبقاعي لأنها شبه الوحيدة التي تربطه بالعاصمة». ويجد مشعلاني الحل في «الإسراع بإنجاز الاوتوستراد العربي المقرر منذ زمن طويل»، وأمل أن تراقب الطريق جيداً وتقمع المخالفات و«لا يجوز ان تبقى الشاحنات تتسابق على الطريق، وتسابق السيارات الصغيرة».