عمر نشابة«التحقيقات اللبنانية تعوزها ثقة الناس، التي تُعَدُّ شرطاً أساسياً لكي تحظى نتائجها بالقبول» قال بيتر فيتزجيرالد في تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية المنبثقة من مجلس الأمن الدولي في 24 آذار 2005. لكن «الثقة» ما زالت مفقودة، إذ إن عدداً لا يستهان به من اللبنانيين يرَون القضاء الحالي والضابطة العدلية مسيَّسَين وفاسدين، ما عدا بعض القضاة الذين أثبتت الأحكام والقرارات الصادرة عنهم مدى التزامهم قواعد العدالة. كما يرى البعض أن القضاء الحالي لا يتمتّع بالكفاءة والخبرة الكافية لتوفير المحاكمات العادلة. وكان أبرز توصيف لذلك، ما ورد في تقرير فيتزجيرالد وطلب حكومة فؤاد السنيورة من الأمم المتحدة إنشاء محكمة دولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري بدل الاعتماد على القضاء اللبناني.
ينتظر قانونيون وقضاة وموظفو الوزارة وقصور العدل بفارغ الصبر إعلان التشكيلة الحكومية الآتية، ومَن سيعيّن وزيراً للعدل فيها. ولا يغيب ذكر التحديات الصعبة التي تنتظر الحكومة ووزير العدل الجديد عن دردشات القضاة والمحامين في مكاتب قصور العدل وأروقتها. ولعلّ أبرز التحديات إعادة ثقة الناس بالقضاء، وخصوصاً بالنيابات العامة. ويتطلّب ذلك من الحكومة الآتية خطوات غير مسبوقة لجهة تكريس فصل السلطات عبر منح السلطة القضائية كامل متطلّبات الاستقلالية. وستحتاج الحكومة إلى إسهام أساسي للمجلس النيابي لجهة مناقشة وإقرار مشاريع قوانين حديثة. فلا شكّ أن تعيين الحكومة القضاة والمدعين العامين يخضع لحسابات سياسية لا علاقة لها بحكم القانون. فمن المفترض أن تكون الاعتبارات القانونية والعدلية والحفاظ على المصلحة العامّة هي المرجع الأساسي للنيابات العامة، لا الاعتبارات السياسية والطائفية المذهبية والاجتماعية.
قد يكون مناسباً اختيار قضاة النيابة العامة التمييزية عبر الاقتراع في المجلس النيابي بعد عرض مجلس القضاء الأعلى للمرشحين بحسب كفاءتهم وخبرتهم ونزاهتهم وفقاً للمعايير المهنية. لا يلغي ذلك بالكامل الاعتبارات السياسية في تحديد خيارات النواب والكتل البرلمانية، لكنه يدخل العملية في نطاق أوسع بكثير من مجلس الوزراء وأقرب بقليل من المواطنين الذين شاركوا بانتخاب أعضاء المجلس التشريعي.
أما في ما يخصّ وزير العدل الجديد، فتترتّب عليه مسؤوليات عديدة، ومنها توفير المناخ المناسب لعمل المحاكم. وتتردّد بعض الأسئلة بين القانونيين: هل يقبل وزير العدل الجديد بأن تبقى قاعات المحاكم على وضعها المزري والمعيب؟ وهل يرضى الوزير المقبل بتجهيز مكتب سكرتيره الإعلامي بدون تجهيز مكاتب القضاة المنفردين الجزائيين؟ وهل يطلب إحالة بعض الجرائم الخطيرة على القضاء العدلي بدون طلب إحالة غيرها بالخطورة نفسها، وذلك بحسب ولائه السياسي؟ هل يكون وزير العدل الجديد متحمّساً للمحاكم الدولية أكثر من المحاكم المحلية التي تعنى بشؤون الناس العاديين؟ وهل يوظّف الوزير الجديد مكتب وزارة العدل الإعلامي لتعميم رأيه السياسي في قضايا لا تعني وزارة العدل، بل تخصّ طموحاته في الوصول إلى رئاسة الجمهورية؟
ولعلّ السؤال الأبرز الذي يطرح في الأذهان: هل يلتزم وزير العدل الجديد احترام رئيس الجمهورية المنتخب أم ينقلب عليه كما كان حال الوزير المغادر؟